الهديل

خاص الهديل: كيف سيرد الشيعة على اغتيال السيد(؟؟): “ثقافة الإقامة في الزمان!!”

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

“.. الأعمار بيد الله”؛ هذه حقيقة يكاد لا يجادل بها إثنان؛ ولكن في السياسة يمكن القول إن أعمار القادة الذين يقررون أخذ التاريخ إلى حيث هم يريدون، ينطبق عليهم القول إن أعمارهم قصيرة كأعمار الورود.

لم يمكن هناك اعتقاد شائع بأن السيد حسن نصر الله يمكن أن يتم اغتياله. ربما برزت هذه القناعة خلال الأيام الأخيرة التي سبقت اغتياله؛ ولكن قبل ذلك، وعلى مدار سنوات عمره، خاصة بعد عام ٢٠٠٠ الذي هو عام التحرير، وبالأخص خلال العقد الأخير، كان الاعتقاد شبه الراسخ داخل البيئة الاجتماعية لحزب الله وداخل الوسط اللبناني وربما العربي؛ هو أن حزب الله يملك ترسانة ردع ليس فقط ضد تفكير إسرائيل بشن حرب ثالثة عليه وعلى لبنان؛ بل أيضاً ضد تجرأ تل أبيب على التفكير بارتكاب “حماقة” اغتيال السيد حسن نصر الله..

.. داخل وخارج بيئات حزب الله يوجد “صدمة توقع” بخصوص كيف أن معادلة اغتيال السيد نصر الله بدت على نحو أنها من حيث تداعياتها على إسرائيل، لم تكن بالضخامة التي كان يتوقعها الكثيرون..

.. ومع ذلك هناك جهات تتصف بأنها خبيرة تنصح بعدم التسرع باستنتاج العبر بخصوص تداعيات اغتيال السيد. هؤلاء الخبراء هم من أتباع نظرية تقول إن هناك نوعين إثنين من التداعيات التي تتبع اغتيال قادة مهمين من أمثال السيد نصر الله: النوع الأول تكون تداعياته عاصفة ومباشرة؛ وتحدث أوتوماتيكياً في اللحظة التالية لحدث الاغتيال. وهناك نوع ثان تحدث التداعيات خلاله بشكل غير مباشر؛ بمعنى أن ردود الفعل عليه ونتائجه تتسم بأنها طويلة الأمد وهي تمر بعملية اختمار واعتمال قبل أن تظهر إلى الوجود وإلى الواقع السياسي والاجتماعي المعاش.

وبحسب أنصار هذه النظرية فإن تداعيات اغتيال السيد نصر الله تنتمي في تفاعلها للنوع الثاني من التداعيات؛ فهي قبل ظهورها على مسرح الأحداث ستمر بفترة اعتمال غير مرئي، ولكنه منظور لمن يريد أن يستكشفه..

إن تتبع تطبيقات هذه النظرية على حدث وواقعة اغتيال السيد نصر الله تبرز عدة ملاحظات أساسية: 

الملاحظة الأولى أن توقيت حدث اغتيال السيد نصر الله وقع في لحظة اتسمت بأن الديوغرافيا الشيعية كانت خلالها تعيش حالة نزوح، وتبحث عن أمكنة إيواء لها؛ وكانت أولويتها في هذه اللحظة هو إيجاد مكان للاستقرار المؤقت فيه.. وهذا الواقع الذي كانت تمر فيه الديموغرافيا الشيعية هو الذي يفسر كيف أنها ردت على صدمتها باغتيال السيد بتعبير مفجوع صامت ومكبوت وغير علني ولا مباشر… وهذا يقود للقول إن البيئة الشيعية لم تعبر حتى الآن عن ردة فعلها لا العاطفية ولا السياسية على حدث صدمتها باغتيال السيد؛ بل نظراً لظروف الحرب الإسرائيلية الجارية حالياً عليها، والتي تستهدف تشتيتها ديموغرافياً، فإن البيئة الشيعية منشغلة بترتيب فضاء المكان الإيوائي المؤقت لها.

الملاحظة الثانية تستكمل الملاحظة الأولى وتطرح سؤالاً استتباعياً من نوع هل ما تقدم أعلاه يعني أن الشيعة يحتفظون بطاقة ردهم العاطفي والسياسي على “حدث صدمتهم باغتيال السيد” إلى مرحلة لاحقة؛ أي حتى انتهاء أزمة تشتتهم الديموغرافي الحاصل حالياً؟؟ 

.. وإذا كان الأمر كذلك؛ فما هو مستوى رد فعلهم العاطفي المتوقع؛ وما هو تالياً منسوب ومستوى واتجاهات رد فعلهم السياسي؛ وكيف سيتم تجسيد كل هذا الأمر؟؟.

الملاحظة الثالثة تحاول الإجابة عن أسئلة الملاحظة الثانية من خلال إبراز العناوين التالية:

أ- الشيعية اللبنانيون في هذه اللحظة المتسمة بتشتتهم الديموغرافي وبفقدان أمامهم (السيد نصر الله) يعيشون في الزمان.. وهي حالة انتظارية داخل أفق انتظارهم العقائدي لإمامهم المغيب المهدي. هذا النوع من الانتظار الديني عند الشيعة هو ثقافة يومية ولكن حينما يشعر الشيعي بأنه فقد المكان تصبح خالة انتظاره لصاحب الزمان المغيب والمنتظر أكثر حضوراً في وجدانه الواعي لدى البعض منهم وفي وجدانه غي الواعي لدى العامة والكثيرين منهم.

وإذا قدر لهذه السطور حُسن التعبير فيمكن القول إن شيعة هذه اللحظة يقيمون في / وداخل الزمان الذي فقدوا فيه إمامهم الذين لم يتوقعوا أن يصدموا بشهادته المبكرة؛ وأيضاً وبنفس الوقت فهم يقيمون في/ وداخل زمان انتظار إمامهم المغيب الذي يعدهم بخلاص يجب أن يسبقه دموع وصبر.

.. لحد بعيد يمكن القول إن هذه هي الخلفية العامة لبسكولوجية الواقع الشيعي اللبناني في هذه اللحظة؛ ولكن كتفرع أساسي من هذا الواقع تولد تجربة حالية بين صفوفهم هي ليست منفصلة عن حزب الله، ولكنها استثنائية داخله، ومغايرة للحال العام في الحزب كما تمظهر خلال الأسابيع الأخيرة (الاختراقات الأمنية)؛ وقوام هذه التجربة هي هذه المجموعات التي تواجه حالياً التوغل الإسرائيلي البري في الجنوب.

تمتاز هذه المجموعات بأنها غير معروفة؛ ولم يشبها الانكشاف الذي بحسب بعض الأجواء طال جسد الحزب القيادي والتنظيمي والعسكري الذي شارك في حرب سورية.

ويطلق البعض علي هذه المجموعات مصطلح “الجيل الرابع” في الحزب الذي قد يكون من مهامه في حال نجحت تجربته بالدفاع عن أرض جنوب لبنان؛ تصحيح المسار داخل حزب الله، وتغييره وتسيد سدة خلافة مرحلة ما بعد السيد – الإمام الذي ترك الحزب بحالة صدمة غيابه.

ب- يشبه – بدرجة معينة – “غياب السيد” من حيث تأثيره على الواقع الشيعي “غياب الإمام” (السيد موسى الصدر).. فكلا الغيابين حصلا بطريقة أشعرت الشيعة بالمظلومية؛ وبعكس ما يحصل مع الطوائف الأخرى؛ فإن شعور المظلومية لا يحث الشيعة على الانكفاء والإحباط، بل يحثها على العودة لموقع الدفاع الهجومي والتصالح مع الفكرة الإيمانية.

خلال تجربة حكم صدام حسين في العراق برزت نظريتان داخل بيئة الشيعة العراقيين الأولى قال بها السيد السيستاني ودعا فيها للتكيف مع حكم صدام حسين القوي والعنيف، وعدم مواجهته لأن كلفة ذلك ستكون تدمير الوجود الشيعي في العراق؛ وأطلق السيد السيستاني حينها على نظريته هذه عنوان “الحفاظ على الموجود”. ولكن والد السيد مقتدى الصدر آنذاك رفع شعار المواجهة مع صدام؛ واتهم السيد السيستاني بأنه يمثل “المرجعية النائمة”، بينما هو يمثل “المرجعية القائمة”. لقد أعدم صدام حسين آنذاك الشهيد الصدر؛ ولكن الأخير أسس لاتجاه داخل شيعة العراق عنوانه المرجعية القائمة التي كلفت العراقيين الشيعة الكثير من الدم والدموع؛ ولكن أيضاً حققت لهم الكثير من المكاسب؛ علماً أن المرجعية القائمة التي تدعو العين الشيعية لمواجهة المخرز الحاد والعنيف، لم تلغ تمسك الشيعة العراقيين بالتواري بنظرية مرجعهم السيد السيستاني التي تدعوهم عند الضرورة “للحفاظ على الموجود”؛ أي عدم رمي النفس بالتهلكة؛ والعمل بحكمة في أوقات المحن لعدم خسارة وجودهم الديموغرافي في أوطانهم.

يمكن القول إن الشيعة اللبنانيين في هذه اللحظة إنما هم يمارسون تطبيقات النظريتين في آن معاً؛ قسم منهم يواجه إسرائيل في الجنوب تحت عنوان أنهم أتباع “مرجعية قائمة”؛ وقسم آخر منهم وهم القاعدة الشعبية تعيش داخل عنوان نظرية السيستاني الخاصة بالحفاظ على الموجود؛ أي إعطاء الأولوية لتنظيم صمود ديموغرافي مؤقت بمواجهة حرب التشتيت الديموغرافي الذي تخوضه إسرائيل ضدهم. وتجدر الإشارة أن شيعة لبنان يواجهون العدوان الإسرائيلي الجديد، وهم مسكنون هذه المرة بما يمكن تسميته تجاوزاً “بعقدة” ما حدث وما يحدث في غزة؛ بمعنى أنهم هذه المرة أكثر حساسية لمسألة احتمال أن تكون إسرائيل تنوي جدياً تهجيرهم.

Exit mobile version