خاص الهديل. ..
كتب بسام عفيفي
يقف لبنان عند ما يمكن تسميته بمفترق الاتجاهات الاستراتيجية الحادة؛ فهذه اللحظة هي لحظة تحديد الخيارات الصحيحة؛ لأنه لم يعد هناك ترف الوقت الذي تم استنفاده بالنكد وإبداء كل مظاهر اللامسؤولية الوطنية..
.. وللمرة الألف، ومع كل مرة يكون فيها لبنان أمام مفترق الاتجاهات الاستراتيجية الحادة والحرجة، يتضح على نحو لا يقبل الشك أن الخيار الصحيح، وأن حبل النجاة، هو الجيش كمؤسسة وكبنية وطنية وكجنود وضباط وكقائد يجمع بشخصه كل معاني هذه المؤسسة وموقعها ودورها الذي يقود البلد نحو السير بالاتجاه الصحيح الذي فيه المنجاة الوطنية.
خلال الاوقات العادية يشكل التطاول على موقع الجيش داخل المعادلة الوطنية، خطأ كبيراً، ولكن في مثل هذه الأوضاع التي نعيشها فإن التطاول على الجيش كبنية وطنية وقيادة، يصبح خطيئة وطنية بامتياز.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، وفي كل ظروف البلد، وخاصة في هذه الظروف العصيبة، هو من بديل الجيش؟؟؛ وكيف يمكن صياغة حل لأمر يهدد سيادة لبنان وأمنه، من دون أن يكون الجيش هو أساسه؟؟؛ وكيف يكون هناك خيار آخر للخروج من النفق من دون الاعتراف بحقيقة أن الجيش هو الوحيد في ظل كل الاهتراء الداخلي القادر على أخذ البلد نحو بدء نهاية الوضع الكارثي؛ وأن الجيش يشكل أساساً يمكن الانطلاق من معناه ومن دعم دوره حتى يدشن لحظة إنهاء التشتت الوطني لصالح البدء بمشروع ترميم الإجماع الوطني على مستوى إنجاز مهمة إعادة بناء الدولة وانتظام عمل السلطات، الخ..
قد يكون الوقت الصعب الراهن مناسباً للتذكير بعدة حقائق، وللتوقف عندها والدفاع عنها بوجه اتهامات وطروحات ترمى بوجه الجيش؛ وأقل ما يقال فيها أنها منقوصة المسؤولية الوطنية:
أولى هذه الحقائق تتصل بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تمثل كل أطياف الشعب اللبناني وهي المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تصهرهم داخل المهمة الوطنية المقدسة، وليس فقط تجمعهم داخل براويز فولوكلورية..
.. داخل الجيش توجد كل الطوائف وكل طبقات المجتمع ويوجد الرأي الوطني الواحد الذي يقول إن لبنان أولاً.. وأهمية هذا الإجماع الوطني الموجود داخل الجيش تقع في أنه إجماع يتفاعل داخل أداء المهمة الوطنية الخالصة وليس إجماعاً صورياً وظاهرياً وله أكثر من وجه ووراءه أكثر من غاية..
للمرة الألف تثبت الأحداث أنه كلما ابتعد اللبنانيون عن فكرة الالتفاف حول مؤسسة الجيش كفكرة وطنية تجمعهم وتحميهم من أخطائهم ومن مؤامرات الخارج، المستهدفة لخلاص بلدهم؛ كلما أصبح الأفق الوطني قاتماً ومجهولاً وكوارثياً.
ثانياً- صار المطلوب نبذ وفضح غايات الأصوات التي لا تترك مناسبة إلا وتحاول فيها التشكيك بالجيش، ومقصدها بذلك هو أمر وحيد وهو إظهار أن الإجماع الوطني الموجود حول الجيش ليس موجوداً. وهذه الغاية البائسة يجب أن تقود إلى ضرورة بناء مواجهة وطنية حرة تقف بوجه المتطاولين على الإجماع الوطني المتحلق حول الجيش.. والمقصود من هذا الأمر ليس فقط الدفاع عن مؤسسة الجيش الوطنية التي لديها رصيد كبير من ثقة المواطن بها؛ بل المقصود بالأساس حماية العنوان الوحيد الذي يشكل نبعاً لإنتاج الاجماع الوطني، وهو عنوان الجيش.
الحقيقة الثالثة مفادها أنه لا خلاص لمعاناة لبنان الراهنة إلا بالجيش الذي يضمن دوره أن يكون الحل وطنياً وليس على حساب الوطن؛ والذي يضمن التكاتف حوله ومع مهمته الوطنية الانقاذية أن يخرج كل لبنان من كارثته الراهنة قوياً؛ وأن تبدأ مرحلة سياسية لبنانية جديدة ليس فيها طرف لبناني رابح ولا طرف مهزوم، بل فيها انتصار وطني للجميع وخلاص لكل الفرقاء اللبنانيين من كمين الكارثة والفوضى الذي يعده للبنان العدو.
وفي هذه اللحظة بجدر بكل مواطن أن يدرك التالي:
١- ان أهم هدف لحرب إسرائيل الحالية ضد لبنان هو أن تقود هذه الحرب إلى فوضى داخليه تعمه.. والحل لإنقاذ البلد من هذه الفوضى هي الجيش المجرب وطنياً والمؤهل معنوياً ومن حيث قدراته على إنقاذ الوطن والمواطن من الفوضى المرسومة له ضمن مخطط العدو.
٢- ان حرب إسرائيل الراهنة تريد أن تنتقص من سيادة لبنان عبر اغتصاب أراض لبنانية وعبر فرض فراغات جغرافية فوق مناطق في جنوب لبنان.. والحل يكون بلا ريب بدعم انتشار الجيش فوق كل سنتيمتر من أرضنا.. ان الجيش هو قاهر مشاريع الفراغ السيادي فوق أجزاء من تراب الوطن؛ فلنقف موحدين وراء إنجاز مهمته المقدسة هذه.
٣- يوجد أمام أهداف الحرب الإسرائيلية عقبة واحدة حقيقية ووطنية وفعالة ومفادها وقوف اللبنانيين من كل أطيافهم ومشاربهم وراء عنوان الجيش كمؤسسة تمثل كل اللبنانيين وتمثل كل كرامتهم وكمؤسسة قادرة على تحقيق النصر لكل فئات الشعب اللبناني.. والحق يقال إن هناك فئة واحدة ستظل خارج هذا الإجماع اللبناني على عنوان الجيش؛ وهذه الفئة تتسم بأنه ليس لديها مشروع وطني؛ بل لديها غايات ومصالح تبدأ من نقطة مصالحها وتنتهي عند نقطة عدم الاهتمام باولويات أمن ووجود البلد في هذه المرحلة المصيرية.