الهديل

عن خلاف عائلي..صار حدثاً عالمياً

ساطع نورالدين

 

يبدد مانشيت الصباح المنشور في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية هذا اليوم، بعضاً من الشعور باليأس الذي تفرضه الحرب، على الرغم من ان القصة تدور حول خلاف حاد بين زوجين بارزين، تجاوز حدود الاسرة الواحدة.. وأصبح بالفعل قضية عالمية، لا تقتصر على فضح أسرار علاقة زوجية ملتبسة، بل تتناول سياسات وسلوكيات شعبين وبلدين متداخلين، وتمس تالياً مصائر شعوب ودول كبرى.

المانشيت هو عبارة عن تقرير اخباري عن كتاب سيصدر في واشنطن، يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، تحت عنوان “حرب”، للصحافي الأميركي الأسطوري، حسب وصف “هآرتس”، بوب ودوورد، الشهير، والبالغ من العمر 81 عاماً، الذي لا تزال كتبه السياسية الأكثر مبيعاً في اميركا والعالم منذ ان بزغ نجمه في كشف فضيحة “ووترغيت” التي أطاحت بالرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون.

في التقرير الذي تصدر الصفحة الأولى للصحيفة، الأشد انتقاداً لمسار الحرب الذي سلكته إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، سرد لوقائع وحوارات واتصالات هاتفية جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واجتماعات ومحاضر ووثائق وتعليقات صدرت عن مساعديهما، قبل انجاز الكتاب كما يبدو في شهر تموز/ يوليو الماضي، عندما اغتالت إسرائيل القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت.

يصوب التقرير، والكتاب كما جاء في التقارير الإعلامية الأميركية المنشورة عنه هذه الأيام، طبيعة الخلاف بين بايدن ونتنياهو، من دون ان يعدل طابعه الشخصي الى حد بعيد، لكنه يورد عبارات لا يمكن ان تكون مجرد “نكات”، حسب تعليق المتحدث باسم البيت الأبيض. ثمة توصيفات يطلقها الرئيس الأميركي على رئيس وزراء إسرائيل لا يمكن ان تمر مرور الكرام، من دون ان تترك أثراً على العلاقة بين “الزوجين” وربما الشعبين والدولتين: “نتنياهو ابن العاهرة، هو رجل سيء، عرص..هو كذاب، ومن بين 19 شخصا يعلمون معه، هناك 18 كاذبون”.. ويذكر الكتاب ان بايدن خاطب نتنياهو في احد الاتصالات الهاتفية بينهما بالآتي : “تعرف الانطباع المتزايد عن إسرائيل حول العالم، بانها دولة مارقة..”

في تقرير “هآرتس”، كما في الكتاب طبعا، مقتطفات وعبارات إضافية، ربما أكثر من إتهام احد الزوجين لشريكه بالعهر والكذب، وهو ما يكفي لانهاء العلاقة بينهما، من دون ان يؤدي ذلك الى الطلاق البائن، الذي لم تعد هناك حاجة لاشهاره، لأن بايدن اصبح خارج السلطة، ولأن نتنياهو يراهن بوضوح على عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة، وهو يثق بإنجازه التاريخي الأهم وهو تطوير دور إسرائيل في السياسة الداخلية الاميركية الى حدود لم يسبق لها مثيل.. والتدخل الفاضح في تحديد نهج السياسات الأميركية المعقدة تجاه ايران، والسعي الى جر الاميركيين نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط.

بهذا المعنى لا يظل الكتاب، كما يبدو، قصة تمرد زوج اميركي مخدوع، على زوجته الإسرائيلية العاهرة، التي أنفق عليها اكثر من 20 مليار دولار، كأسلحة وذخائر، طوال الحرب الحالية، لكنها خانته مع عشيق أميركي آخر.. في العمق، ثمة ما يفسر التسامح المستمر مع تطاول نتنياهو على المؤسسة الأميركية الحاكمة، يكمن بذلك الحرص الشديد على حماية القِران بين الشعبين والبلدين، وعلى مكانة إسرائيل كدولة تستمد تفوقها العسكري الدائم من أميركا، التي توجه لها بين الحين والآخر، ملاحظات وانتقادات، او حتى شتائم على شكل نكات، هدفها الاوحد توجيه “الولاية” اليهودية، نحو السبيل الأسرع للانتصار في حروبها، من دون تتسبب بأدنى حرج لبقية الولايات الاميركية.

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version