خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
ليس واضحاً ما هو بالضبط عمق وحقيقة الأزمة القائمة هذه الساعات بين نتنياهو من جهة وبين البيت الأبيض من جهة ثانية حول طبيعة رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير.
ويظل هذا الغموض قائماً حول حقيقة وسبب الخلاف أو التباين بين الطرفين رغم إعلان نتنياهو أنه منع وزير الجيش غالانت من السفر للقاء وزير الدفاع الأميركي أوستن إلا بعد أن يعدل الرئيس بايدن من قراره بمقاطعة التحادث الهاتفي مع نتنياهو..
بعد القصف الإيراني قبل أسبوع لإسرائيل اتصل بايدن برئيس دولة إسرائيل هرتسوغ بدل أن يتصل بنتنياهو. وسربت وسائل إعلام إسرائيلية أن بايدن في جلسة مغلقة مع مساعديه شتم نتنياهو وأطلق ضده عبارات نابية؛ ورد الأخير على ذلك بأن استدعى غالانت لاجتماع أمني موسع وأبلغه أن عليه إعادة حقيبة سفره إلى خزانة ملابسه لأنه لن يكون هناك مجال للسفر إلى واشنطن قبل أن يقرر مجلس الوزراء الإسرائيلي أولاً كيف سيرد على الضربة الإيرانية الأخيرة، وقبل أن يرفع بايدن ثانياً هاتف البيت الأبيض ويحادث رئيس حكومة إسرائيل.
حدث ذلك يوم الثلاثاء الماضي؛ وبعد ظهر يوم الأربعاء رن هاتف نتنياهو وكان محادثه على الطرف الآخر من الخط هو بايدن شخصياً.
.. لكن هناك تسريبة إعلامية قالت إن فكرة إجراء اتصال هاتفي بين بايدن ونتنياهو كانت سابقة للخلاف الأخير الذي نشب يوم الأربعاء بين الرجلين على خلفية منع بيبي غالانت من السفر للقاء أوستن!!. وإذا صحت هذه المعلومة – والأغلب أنها صحيحة – فهذا له معنى واحد وهو أن قصة التباين في الرأي بين بايدن ونتنياهو حول حدود الرد الإسرائيلي على إيران هي مجرد مناورة لكسب الوقت وتأخير الرد لأسباب مشتركة أميركية – إسرائيلية.
أغلب الظن أنه لا يوجد تباين بين نتنياهو وبايدن حول كيف يجب التعامل مع إيران: نتنياهو يريد أن تبدو أميركا في صورة مشهد الرد الإسرائيلي على إيران؛ وبايدن لا يعارض أن تكون أميركا حاضرة سياسياً وعلى أهبة الاستعداد عسكرياً حينما يحصل الرد الإسرائيلي؛ وهذا يعني أن نتنياهو بحاجة لأن تشعر إيران وهي تتلقى الضربة من تل أبيب أن واشنطن تؤيد الضربة وهي على بعد أمتار قليلة من المشاركة بها إذا دعت الحاجة.
.. ولكن ما يريده نتنياهو أيضاً هو أن تبدي إدارة بايدن كل علامات الوضوح بشأن أنها ستشارك بكل قوة بالتصدي للرد الإيراني على الرد الإسرائيلي بعد حصوله..
أما النقاش بخصوص حدود الرد الإسرائيلي على إيران؛ فهو ليس الموضوع الجوهري الذي يسبب ما يشاع عن تجدد الخلاف أو التباين بين بايدن ونتنياهو.. فمن حيث المبدأ بات معروفاً أنه ليس هناك كيمياء على المستوى الشخصي بين الرجلين؛ ولكن حرب إسرائيل على حماس وحزب الله وعلى إيران كما هي جارية حتى الآن، تحظى بدعم كامل من قبل إدارة بايدن؛ وهو دعم يوجد بداخله اعتبارات الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ ولكن أيضاً يوجد بأساسه اعتبارات تقاطعات استراتيجية أميركية مع إسرائيل بخصوص كيفية توجيه ملف إدارة الصراع مع طهران والعلاقات بدول المنطقة.
نتنياهو يريد أن تنتهي حرب غزة على مشهدين إثنين: 1- نجاحه بتفكيك ما يسميه بأذرع إيران في المنطقة؛ ٢- إظهار صورة ردع إسرائيلي إقليمي بوجه إيران.
.. بالمقابل إدارة بايدن – هاريس تريد نزع أظافر إيران (حلفائها) في المنطقة وإضعافها هي ذاتها، وذلك قبل أن تجلس معها على طاولة التفاوض بعد انتهاء انتخابات الرئاسة؛ وفي حال دخلت هاريس البيت الأبيض.
.. وعليه فإن التفاوض بين واشنطن وتل أبيب في هذه اللحظة هو كيف يتم صياغة ضربة عسكرية لطهران تؤثر على بناها المجدية، وعلى مكامن قوتها الذاتية، بحيث تؤدي نتيجة هذه الضربة إلى جعلها حينما تجلس على طاولة التفاوض بمقابل واشنطن تكون ضعيفة.
المشكلة لدى واشنطن هي أنها تريد من نتنياهو أن يراعي أن إدارة بايدن موجودة في لحظة انتخابات؛ ولذلك هي تريد أن لا تسفر ضربة إسرائيل لإيران عن إحدى هاتين النتيجتين حصرياً: الأولى ارتفاع أسعار النفط عالمياً؛ الثانية أن لا تسفر عن خلق توجه لدى إيران لجعل حلفائها ينتقمون من القواعد الأميركية في المنطقة؛ فإدارة بايدن آخر ما تريده وهي في حمأة الحملة الانتخابية الرئاسية هو رؤية نعش جندي أميركي واحد مرسل إلى أميركا من الشرق الأوسط.
.. حتى إسرائيل بالعمق لا تحتمل حرباً واسعة مع إيران؛ وما تريده حالياً بإلحاح هو ضمان أن تكون واشنطن حاضرة بكل قوتها في الشرق الأوسط للدفاع عنها في حال انزلق الوضع العسكري مع إيران ومع حلفائها في المنطقة إلى جولة حرب ولو لأيام. ومن هنا لا ينبغي النظر لخلاف غالانت – نتنياهو أو خلاف الأخير مع بايدن على أنه خلاف على الموقف من إيران ومن حلفاء محورها في المنطقة أو على عمق الرد الإسرائيلي على إيران.. إن خارطة الطريق الأميركية الإسرائيلية بموضوع إيران واضحة: إضعاف إيران عبر ضربات متتالية لمواقع بنيوية فيها ليس بينها النووي ولا الطاقة. إضافة لتدمير قدرات حماس وحزب الله العسكرية. والهدف الأكبر هو إضعاف إيران داخل حدودها وإقليمياً قبل أن يحين موعد جلوسها على طاولة التفاوض سواء كان في البيت الأبيض ترامب أم هاريس.