خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
حتى هذه اللحظة لا يوجد لدى لبنان أية بارقة أمل تشي بأن هناك يداً تمتد إليه كي تساعده فعلياً على وقف العدوان الإسرائيلي عليه. فالولايات المتحدة الأميركية التي أثبتت حرب غزة أنها تقف بين واحد من فرضيتين: إما أنها غير قادرة على الضغط على نتنياهو لوقف تغوله الإجرامي، وإما أنها لا تريد فعل ذلك بل تدعم تل أبيب في مسعاها العسكري العدواني. وعليه فإن إدارة بايدن هذه لا يمكن لبيروت الوثوق بأنها تريد أن تفرمل عدوان نتنياهو على لبنان؛ أو أقله لا يمكن الوثوق بأنها قادرة على ذلك!!
أما الرئيس الفرنسي ماكرون فهو على ما يبدو يُعتبر في إسرائيل شخصية مزعجة.. وكان سبق لتل أبيب قبل أشهر أن رفضت القبول بباريس كوسيط لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله. وقبل أيام هاجم نتنياهو ماكرون بكلمات قاسية بعد اقتراح الأخير معاقبة إسرائيل بوقف مدها بالسلاح. ورغم أن ماكرون اتصل معتذراً من نتنياهو؛ غير أن الإعلام العبري استمر بحملته التي تتقصد إهانة مكانة فرنسا العالمية حيث تصفها بأنها تحولت كوزن سياسي، من دولة كبرى إلى ضاحية نائية.
أضف أن لبنان لا يجد أن هناك أية فرصة للرهان على دور عربي؛ بدليل أن نتنياهو أحبط كل مساعي العرب لوقف حربه على غزة؛ كما أن إدارة بايدن لم تظهر خلال امتحان الدول العربية لها (المقصود لجنة الدول العربية التي نشأت لفرض وقف نار في غزة)، أنها تعير وزناً استراتيجياً للموقف العربي حينما يتعارض ذلك مع ما تراه تل أبيب أنها مصالح عليا لها.
وفي ظل انكشاف لبنان دولياً وعربياً، وأيضاً في ظل هشاشة وضعه الداخلي؛ وأيضاً وأيضاً في ظل أن اجتماع مجلس الأمن ليلة أمس كشف عن عدم جدية موقف دول القرار العالمي تجاه وقف النار في لبنان، يصبح واضحاً أن الفترة المقبلة ستحمل لبلد الأرز التطورات الخطرة التالية:
التطور الأول هو انتقال الوضع اللبناني من مرحلة أنه متروك دولياً وإقليمياً إلى مرحلة أنه مطالب دولياً وإقليمياً بإنجاز مطالب المجتمع الدولي منه وذلك تحت الفصل السابع غير المعلن أو غير المتخذ من قبل مجلس الأمن بل متخذ من قبل واشنطن وتل أبيب.
بمعنى آخر انتهت المرحلة الطويلة التي امتدت من تشرين ٢٠١٩ إلى أيلول ٢٠٢٤ والتي اعتبرها جزء من لبنان أنها مرحلة انتظار دولية حتى يأتي دور الالتفات لوضعه؛ واعتبرها جزء آخر أنها تعبر عن اهتمام دولي بمنع نشوب حرب في لبنان ليس أكثر، الخ.. وللمفارقة يتبين حالياً أن الموقف الدولي الجديد تجاه لبنان يقوم على مبدأ التلطي وراء الحرب الإسرائيلية لتدشين مرحلة بدء محاسبة لمجمل الوضع اللبناني انطلاقاً من نقطة دور حزب الله فيه، وصولاً – ربما – للائحة أخرى من المحاسبة، ليس معروفاً ما إذا كان توقيف رياض سلامة هو رأس الخيط فيها؟؟
لا شك أن العدوان الإسرائيلي على لبنان يحظى بتأييد دولي، ولو من باب إفساح الوقت الكافي أمام استخدام العصا الإسرائيلية الغليظة في لبنان؛ وبهذا المعنى فإن الوضع اللبناني دخل مرحلة التشدد الدولي حياله بعد أن كان عنوان الموقف الدولي هو إدارة الظهر للبنان.
التطور الثاني الذي يواجه لبنان حالياً هو وضعه تحت اختبار إلحاح السؤال عن اليوم التالي فيه بعد وقف النار بين إسرائيل وحزب الله؟؟..فالتحاق لبنان بحرب غزة وذلك من باب إسناد حماس فيها؛ قاد بالتدريج إلى وضع يتمثل بربط أفق الحلول السياسية الخاصة بمشاكل لبنان بأفق الحلول السياسية لمشاكل الفلسطينيين..
.. وحتى لو أن نتنياهو الآن يطالب بالشكل بفصل الحربين اللبنانية والغزاوية؛ إلا أنه سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً هو يعمل من أجل ربط الساحتين انطلاقاً من حرصه على جعل نتائج حربه ضد حماس ذات صلة بنتائج حربه ضد حزب الله؛ والعكس صحيح. ومن الأدلة على ذلك ما بات يتكشف الآن بخصوص أن كابينت الحرب الإسرائيلي كان اقترح بعد أربعة أيام من عملية ٧ أكتوبر أن ترد إسرائيل على حماس في غزة بحرب ضد حزب الله في لبنان أولاً، ومن ثم بعد الانتهاء من ضرب الحزب، ترد بحرب ضد حماس في غزة.
إن مراجعة الوقائع تبدو صادمة حينما تظهر أن ربط الحربين (غزة ولبنان) هو جوهرة تاج الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية؛ ولكن نتنياهو تقصد إخفاء هذه النظرية، حتى يفيد من مسارعة حزب الله لفتح حرب إسناد غزة، وذلك عبر الإيحاء للدوليين بأن حزب الله في لبنان هو من فتح الحرب ضد إسرائيل وهو من يريد ربط الحربين اللبنانية والغزاوية؛ وهدف نتنياهو الأساسي من ذلك هو إخفاء مصلحة إسرائيل بربط الساحتين اللبنانية والغزاوية؛ وأكثر من ذلك إخفاء رغبة إسرائيل ببدء حرب “السيوف الحديدية” على الساحة اللبنانية أولاً، ومن ثم ثانياً على غزة.
خلاصة القول في هذا المجال هو أن لبنان دخل مرحلة التداعيات الإقليمية لحرب غزة؛ ولم يعد ممكناً توقع خروجاً نهائياً له من أزمته المركبة الداخلية والإقليمية، إلا من خلال الحل الشامل لأزمة المنطقة المدرج تحت عنوان ما سيكون عليه سياسياً وأمنياً “اليوم التالي” لوقف النار في جملة الحروب المتفرعة عن حرب غزة (وليس فقط اليوم التالي على وقف النار في غزة)، وهي “حرب طوفان الأقصى” و”حرب السيوف الحديدية” و”حرب إسناد غزة” و”حرب سهام الشمال” وآخرها وليس الأخيرة “حرب القيامة”، وهو الإسم الجديد الذي اختاره نتنياهو كتسمية “لحروب الاستتباع البيبية” التي يشنها لترويض الشرق الأوسط (“البيبية” نسبة لإسم الغنج لنتنياهو وهو “بيبي”).