خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
رغم ارتفاع صخب صوت الحرب الإسرائيلية على لبنان إلا أن الساعات الـ٧٢ الأخيرة شهدت في ظل مؤشرات تدلل على إمكانية أن الأمور ستنتقل من ضفة الاستمرار في التصعيد إلى ضفة البدء بالانحدار نحو التهدئة توصلاً لإبرام وقف نار.
من هذه المؤشرات ما ورد أمس للصحافة الأميركية من تسريبات مصدرها على ما يبدو ليس فقط البيت الأبيض، بل أيضاً أوساط بنيامين نتنياهو؛ وقالت هذه التسريبات ما معناه أن هناك مقايضة حصلت بين بايدن ونتنياهو قوامها التالي: الأخير يتعهد بتخفيف الرد العسكري الإسرائيلي على إيران بمقابل أن بايدن يرسل لإسرائيل على وجه السرعة منظومة ثاد لحمايتها من الصواريخ.
والمهم هنا أن بايدن يرسل منظومة ثاد المضادة للصواريخ لإسرائيل حتى يقنع تل أبيب بأنها لا تحتاج للحرب الإقليمية حتى تحمي نفسها من إيران؛ بل تحتاج لأن ينصت نتنياهو لمطالب بايدن حتى يقدم الأخير حماية عملية استراتيجية لإسرائيل ضد كل ترسانات الصواريخ في المنطقة، وليس فقط ضد ترسانة ايران الصاروخية البالستية.
أمس وثق نتنياهو تراجعه قبالة بايدن حينما قال إن إسرائيل ستنصت للولايات المتحدة الأميركية؛ ثم أضاف من باب حفاظه على ماء الوجه: ولكن تل أبيب بالنهاية ستعمل وفق مصلحتها الوطنية!!
إن تصاعد حدة القتال على جبهة الشمال لديه عدة أبعاد رئيسية تتحكم بمساره وبنتائجه:
البعد الأول إقليمي؛ والمقصود هنا هو البعد الإسرائيلي الراغب بتوريط واشنطن باشتباك عسكري مباشر مع طهران. وهذا التوجه الإسرائيلي يخلق معادلة مفادها أن أي نجاح لنتنياهو على الجبهة مع لبنان سيغريه للاستمرار أكثر بمشروعه للتحرش بإيران توصلاً لتوريطها بدخول الحرب بشكل مباشر ما يرغم البيت الأبيض أيضاً على التورط بهذه الحرب.
.. ومن هنا فإن إيران معنية بأن يواجه نتنياهو مصاعب عسكرية كبيرة في لبنان؛ ذلك أن جبهة الشمال ستترك نتائج على صلة إما بإحباط مشروع نتنياهو لتوريط إيران بحرب مباشرة او بنجاح مشروعه هذا.
البعد الثاني للتصعيد الحالي على الجبهة الشمالية مرتبط أيضاً بموعد الرد الإسرائيلي على إيران ورد فعل طهران عليه.
وضمن هذه الجزئية يوجد عدة أسئلة؛ الأول حول النقاش أو التفاوض الدائر بين نتنياهو وبايدن بخصوص سقف هذا الرد..
يريد البيت الأبيض كما بات معروفاً رداً لا يؤثر على أسعار النفط العالمي ولا يستهدف المفاعل النووي الإيراني؛ لأن أياً من هذين الردين يضر بحظوظ كامالا هاريس الانتخابية. ويبدو لحد بعيد أن نتنياهو أذعن لمطالب البيت الأبيض بخصوص استجابته لهذين المطلبين؛ وحصل على جائزة ترضية كبرى مقابل ذلك، وهي نشر منظومة ثاد في إسرائيل.
وهذا التطور يعني توقع حصول رد إسرائيلي على إيران قابل لاستيعابه دولياً وإقليمياً؛ وهذا الأمر سيؤسس بلا شك للتدرج في تخفيف تصعيد الحرب على جبهة الشمال؛ كونها ستصبح حرباً ذات طابع محلي (إن صح التعبير أي حرب حدودية) ولن تظل كما حالها الآن حرباً إقليمية.
السؤال الثاني هو متى يبدأ نتنياهو إما توغله البري أو متى يقرر إلغاءه؟.
الأمر مرتبط بما سيحدث بين موعدين: موعد الرد الإسرائيلي من جهة وموعد إجراء الانتخابات الأميركية من جهة أخرى.
كل التسريبات الإعلامية الأميركية تحدثت أمس عن أن موعد الرد سيكون قبل الانتخابات الأميركية وبقي أن يحدد نتنياهو متى يكون موعد التعمق بالتوغل البري أو إلغائه؟؟.
أي واحد من هذين القرارين لن يكون موعده – بحسب أجندة نتنياهو – بعد موعد الانتخابات الأميركية ولا قبل تنفيذ إسرائيل ردها الذي سيكون مدروساً على إيران.. وعليه فإن مجمل خطة التوغل البري دخلت حسابات جديدة على صلة بجوائز الترضية الأميركية البديلة لنتنياهو!!
.. ويستوجب أمر اتضاح الصورة القليل من الوقت ليتبين كيف ستنعكس المصالحة التي حصلت قبل ساعات بين نتنياهو وبايدن بخصوص سقف الرد الإسرائيلي ضد إيران، على نوعية القرار الإسرائيلي النهائي بخصوص الاستمرار أو عدم الاستمرار بالتوغل البري العالق حالياً بين مرحلتي استطلاع النار وفتح النار الشاملة.
.. ولكن إذا كان حصول نتنياهو على منظومة ثاد هو جائزة ترضيه له؛ إلا أن هذا التطور يؤشر على المستوى الاستراتيجي إلى أن إسرائيل صارت بحاجة كاملة للحماية الاميركية على المستوى الاقليمي.
والواقع أن نشر منظومة ثاد ضمن الظرف الراهن وتحت الشرط الأميركي المواكب لهذا التطور، يعني أنه لم يعد هناك إمكانية للحديث عن حرب إسرائيلية إقليمية كبيرة أو صغيرة من دون موافقة أميركا المسبقة عليها.. ويبدو أن تجربة حرب غزة وتداعياتها الإقليمية أوصلت لإسرائيل رسالة قوية تقول إن حروبها المقبلة باتت تحتاج “لنفس استراتيجي عسكري طويل” لا يمكن توفير الأوكسجين السياسي أو المالي أو التسليحي أو الاستخباراتي له، إلا من خلال قيام الولايات المتحدة الأميركية بفتح كل خزائنها المالية ومصانعها التسليحية ودعمها السياسي المطلق لإسرائيل!!