خاص الهديل….
كتب بسام عفيفي
زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمصر وعقد لقاء قمة فيها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ تحمل الكثير من الرسائل وتسلط الضوء الكاشف على الكثير من الأبعاد الهامة التي تنتج عن لقاء أهم بلدين في المنطقة العربية.
والواقع أن لقاء الأمير بن سلمان والرئيس السيسي من حيث توقيته في هذه اللحظة يكتسب أهمية بالغة؛ ذلك أن الشرق الأوسط كله يتجه بسرعة صارت ملحوظة إلى إمكانية اشتعال حريق إقليمي كبير فيه.. وعليه بات مطلوباً إنشاء جهد سياسي استثنائي لفرملة الانزلاق نحو حرب مدمرة؛ ولا شك أن لقاء السيسي – بن سلمان سوف ينظر إليه على مستوى كل العالم وفي المنطقة على أنه قد يؤسس لموقف عربي وإسلامي بزخم جديد بحيث يكون قادراً على التوجه لوضع حد لمسار الخراب الراهن الذي يهدد المنطقة بكارثة حرب إقليمية.
لا شك أن جهد إعادة تكيف المنطقة مع خط تصفير المشاكل وحل الأزمات بالحوار وإطلاق مسار التعافي الإقليمي الاقتصادي بعد مرحلة إقفال اقتصاديات العالم بفعل كورونا وغيرها؛ كلها ستكون عناوين استراتيجية للقاء السيسي بين سلمان.
وداخل كل هذه العناوين وبصلبها يوجد عنوان حرب غزة وتعنت الحكومة الإسرائيلية الرافضة للحلول المطروحة لوقف هذه الحرب منذ أكثر من عام على طاولتي الوساطة في القاهرة والدوحة.
وبقراءة مواكبة لزيارة الأمير بن سلمان للقاهرة واللقاء بين الرئيس المصري وولي العهد السعودي، يمكن إدراج الملاحظات الأساسية التالية:
الملاحظة الأولى: تاريخياً كان ولا زال الأمن القومي العربي الرسمي يتم بناؤه على مدماك العلاقة السعودية المصرية، ويضاف إليهما سورية. فحال العرب يكون بخير إذا كانت السعودية ومصر بخير؛ وخاصة إذا كانت العلاقة بين هذين البلدين الشقيقين يسودها الوئام والتنسيق.
لا شك أن الرئيس السيسي يسعى لإعادة إنتاج معادلات بناء الأمن القومي العربي؛ ولذلك من الطبيعي أن يتطلع إلى المملكة العربية السعودية التي تملك إرادة وقدرات الإسهام من موقع الريادة في تحصين الأمن القومي العربي وفي دعم تجديده.
إن السعودية تعيش نهضة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتتطلع للمستقبل بعيون طموحات ولي العهد الأمير محمد سلمان الذي صاغ لبلده رؤيته الواضحة…
.. والواقع أنه لن يكون ممكناً بناء وتجسيد الطموحات الكبيرة سواء في مصر أو السعودية أو في أية دولة عربية، إلا إذا كانت أرض المنطقة العربية صلبة سياسياً؛ وإلا إذا كان أمن العرب راسخاً؛ ومن هنا فإن لقاء السيسي وبن سلمان هو خطوة باتجاه تعزيز استراتيجية ترميم الأمن العربي المشترك، وإنشاء التفكير الاستراتيجي العربي المشترك لمواجهة التحديات الضخمة التي تقرع باب المنطقة.
الملاحظة الثانية: ان تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية هو أمر لا يخدم مصالح البلدين فقط؛ بل يخدم مصلحة بناء قوة للعرب وللنظام العربي. وما يجب التأكيد عليه هنا هو أن تفاعل الاستثمارات والاقتصادين المصري والسعودي ينتج عنه معادلات قوة للاقتصاد العربي ككل؛ ما يمكن ترجمته بقوة سياسية عربية هائلة.
وضمن هذا المعنى يظهر بوضوح أن لقاء السيسي وبن سلمان في القاهرة، هو مؤشر خير يشي بأن اللحظة الراهنة ستحمل معها نتائج استراتيجية للموقف العربي وذلك خلال اللحظة التالية.
لا يختلف مراقبان على أن التحديات التي تواجه العرب كبيرة جداً؛ وصار مطلوباً جهداً عربياً مخلصاً لإعادة بناء معادلة الأمن العربي لتثبيت مصالح العرب في منطقتهم. ولا شك أن لقاء الرياض مع القاهرة يخدم هذا التوجه المطلوب بإلحاح. أضف أن العرب يواجهون كارثة غزة وتغول إسرائيل على الشعب الفلسطيني وعلى لبنان؛ وبمواجهة هذه القضية صار مطلوباً أكثر وقف العدوان الإسرائيلي والعودة لنقطة الانطلاق الصحيحة وهي السير بحل الدولتين كما يطرح دائماً الرئيس السيسي، وكما بادرت السعودية للإعلان عنه في قمة بيروت العربية.
بعد لقاء السيسي وبن سلمان لن يكون كما قبله.. طبعاً نتائج اللقاء تحتاج لوقت حتى تتجسد سياسياً؛ بمعنى أنها لن تظهر على نحو سريع؛ ولكنها ستظهر على نحو إنقاذي.