الهديل

خاص الهديل: قتل السنوار لا ينهي تداعيات طوفان الأقصى بعيدة المدى على إسرائيل!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة 

ما يصعب على إسرائيل فهمه هو أن القضية ليست يحيى السنوار مع أهمية تجربته والدور الذي أداه.. 

.. ولو كان كل الأمر محصوراً بحيى السنوار لكانت مشكلة إسرائيل مع غزة، ومع كل معاني نتائج يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على أمنها ومستقبلها؛ ستكون مجرد إشكال مهما كبر فإنها قادرة على تدبر أمره، وبالنهاية لن تشكل لإسرائيل مشكلة ذات تداعيات غير قابلة للحل، ونتائج لا يمكن محوها.

الفكرة هنا هي أنه بات يوجد داخل تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فصل مستقل وقائم بذاته عنوانه الواقعة التي حصلت بين الساعة السادسة من صباح يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ لغاية الساعة الحادية عشرة والنصف من ذاك النهار؛ أي نحو ما يقل عن ست ساعات بقليل.

هذه الساعات الست تقريباً لم يعد يمكن محو نتائجها على إسرائيل مهما فعلت الأخيرة بقصد محوها؛ ومهما حقق الجيش الإسرائيلي من أهداف؛ وحتى لو كان بينها قتل يحيى السنوار نفسه؛ وقبله إسماعيل هنية وآخرين من قادة حماس.

يجب النظر إلى ساعات صباح ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ الست؛ على أنه حدث ترك في أثره نتائج على إسرائيل سيجعلها تقف أمام مرآة توجه لها عدة أسئلة؛ في مقدمها السؤال عن ثقتها بوجودها كجسم قائم على احتلال أرض وشعب؛ وأيضاً السؤال عن قدرتها على حماية نفسها في ظل ما اتضح بخصوص أن استدامة الحماية الأميركية لها باتت هي الحماية الواقعية الوحيدة المتبقية لها.. 

.. هناك عشرات العبر والاستنتاجات التي أثارتها الساعات الست ليوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ليس يحيى السنوار مصدرها بل سبب ظهورها؛ وهي تركت نتائج لا يمكن اغتيالها ولا يمكن مطاردتها من خلال الشاباك وأمان والموساد لتحييدها؛ وكل ما يمكن فعله حيالها هو الاستماع لصدى تعليق مستوطنة تبلغ ٧٥ عاماً من العمر على يوم طوفان الأقصى؛ حيث قالت أتيت إلى هذه الأرض منذ ٦٠ عاماً وأنا أكتشف الآن أنني أتيت إلى المكان الخطأ..

إن إطالة الحرب والتنقل بها من ميدان لآخر له هدف عميق ومقيم في خلفية عقل الكيان الواعي واللاواعي وهو الهروب إلى الأمام من تعليق المستوطنة التي جعلها يوم طوفان الأقصى تعترف بأنها تقيم في المكان الخاطئ.. وإسرائيل كفكرة تشبه اليوم هذه المستوطنة التي لن يطمئنها منظومة صواريخ ثاد؛ ولا مقتل السنوار؛ ولا احتلال فيلادلفيا؛ ذلك أن المشكلة تقع في مكان آخر لا تصل إليه القوة لتجتثه!!. 

منذ عام ويقوم نتنياهو بعملية هروب باتجاه اتباع استراتيجية حروب الاستتباع؛ وهو لا يفعل ذلك فقط لأنه يريد الهروب من لحظة محاسبته عن فشل الأمن والسياسة والاستخبارات أمام امتحان الساعات الست يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ بل لأنه يبحث فعلياً عن نصر مطلق ليس على حماس ولا على الجهاد الإسلامي، الخ، بل على تداعيات طوفان الساعات الست على الداخل الإسرائيلي وعلى نظرة إسرائيل لنفسها ولمستقبلها، الخ..

بعد كل “إنجاز” عسكري أو استخباراتي يحققه الجيش الإسرائيلي؛ يثار نفس السؤال داخل إسرائيل وهو لماذا لا نزال بعيدين عن النصر؟؟ كيف ننتصر؟؟ كيف نهزم عدونا؛ ومن هو عدونا(؟؟)، هل هو اليوم التالي في غزة أم أنه اليوم التالي لإسرائيل؟؟.

هذا النصر المطلق الذي يبحث عنه نتنياهو لن يجده لعدة أسباب، أولاً لأن أحداث الساعات الست يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ليست قابلة لاحتواء نتائجها الاستراتيجية.. فما انكسر داخل معنى أمن إسرائيل انكسر، ويستحيل بالتالي لملمة شظايا زجاج الإناء المحطم بهدف إعادة ترميمه. ثانياً لأن قتل السنوار هو عملية ثأر على الطريقة القبلية من السنوار؛ وليست بأي حال رد عميق على طوفان الأقصى؛ بمعنى آخر فهي ليست عملية جبر للكسور العميقة التي أصابت بنية إسرائيل على المدى البعيد نتيجة طوفان الأقصى.

طبعاً بمقابل هذه الحقائق بخصوص أن نتائج يوم ٧ أكتوبر لا يمكن اغتيالها بينما يحيى السنوار يمكن اغتياله؛ فإن القيادة الإسرائيلية تعمد لتوظيف مقتل السنوار بخدمة هدف كي وعي الفلسطيني عبر الإيحاء له بأن كل من يفكر بإيذاء إسرائيل سيكون مصيره القتل كما حدث للسنوار وكما حدث قبله للشيخ أحمد ياسين ولإسماعيل هنية الخ..

.. وباختصار تريد هذه الرسالة القول للشعب الفلسطيني إن المقاومة توصل أصحابها إلى القبور وليس إلى التحرير.

.. ولكن بمقابل صورة مقتل السنوار كان في نفس الوقت يبث الإعلام العبري صورة أخرى عن وصول منظومة ثاد الأميركية المضادة للصواريخ ومعها ١٠٠ جندي أميركي لتشغيلها، إلى إسرائيل. هذا التطور يتضمن أيضاً رسالة للإسرائيليين تقول إن تداعيات حرب طوفان الأقصى لا تنتهي مع قتل السنوار ولا تتلخص بوجود السنوار أو بغيابه؛ بل تتعلق بأن ما حصل خلال الساعات الست يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، بات يحتاج كي تستطيع إسرائيل تجاوزه نفسياً وواقعياً واستراتيجياً، تعهداً أميركياً بالتواجد مع أحدث أسلحتها في داخل كيانها.  

وهذا المسار سيؤدي مع دخول إسرائيل مرحلة ما بعد يوم الساعات الست في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ إلى أن يصبح عدد الجنود المئة الأميركان بالآلاف؛ وهكذا ستتحول إسرائيل إلى مستوطنة محمية تقيم داخل القاعدة الأميركية العسكرية التي تحتل فلسطين.

Exit mobile version