خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
أعلن نتنياهو منذ وقت مبكر خلال حرب طوفان الأقصى أنه سيدشن حرب قطف الرؤوس الكبيرة؛ أي حرب الاغتيالات ضد قادة حماس وحزب الله وحلفائهما؛ وقبله جاك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي؛ كان هو من نصح نتنياهو بالانتقال من مرحلتي القصف الجوي الكثيف والحرب البرية إلى المرحلة الثالثة التي تعتمد على الضربات الأمنية الاستخباراتية النقطوية؛ أي على الاغتيالات والحرب الأمنية؛ ومنذ أشهر يتبع نتنياهو حرب الاغتيالات المؤيدة من جاك سوليفان والتي تعتمد على تقنيات وبنك أهداف مشترك أميركي إسرائيل ودول أخرى كثيرة..
حرب المرحلة الثالثة كما يسميها سوليفان أو حرب الاغتيالات وحصد الرؤوس الكبيرة؛ أخذت في طريقها حتى الآن عشرات القادة في حماس وحزب الله وإيران وبمقدمهم السيد حسن نصر الله وإسماعيل هنية ويحيى السنوار وقادة كبار في الحرس الثوري؛ ولكن هذه الاستراتيجية الموضوعة من قبل نتنياهو وسوليفان يتبين مع الوقت، وبخاصة بعد محاولة اغتيال نتنياهو، أنها بمثابة طريق باتجاهين؛ بمعنى أن الرؤوس الكبيرة لن تبقى تتدحرج فقط على الجانب الفلسطيني واللبناني والإيراني بل إن عملية التدخرج ستبدأ على الجانب الإسرائيلي أيضاً.
وشكلت محاولة اغتيال نتنياهو أمس أول الغيث الذي يدلل على إمكانية أن تدخل المنطقة كلها حرب اغتيالات الرؤوس الكبيرة؛ وهذا النوع من الحروب الاستخباراتية يحمل أخطاراً كبيرة؛ نظراً لأنه حينما تبدأ لعبة الدائرة المقفلة من الاغتيالات، فإن هذا الصراع لن يظل محصوراً على طرفي المتقاتلين؛ بل إنه ألف طرف سوف يدخل على الخطة ليصفي تحت غطائه حسابات أخرى مع جهات لا يضمر لها إلا الإيذاء..
إن لعبة تفليت حبل الأمن والاغتيالات في المنطقة تحت عنوان جعل منطق القوة هو كل العملية السياسية تجاه القرار ١٧٠١ في لبنان وهو كل السبل لإبرام صفقة إطلاق الأسرى في غزة؛ وهو كل الوسائل لضرب حل الدولتين؛ هو منطق أخرق ويعبر عن استراتيجية مجنونة ستأخذ المنطقة إلى دوامة عنف ليس لأي قوة إمكانية السيطرة على الحرائق التي ستنتج عنها.
وكان لافتاً أمس أن نتنياهو الذي يرفض وقف إطلاق النار حتى يمكن لمستوطني الشمال العودة لبيوتهم؛ بات الآن نازحاً لأسباب أمنية عن منزله في قيسارية.. والواقع أن مبدأ ممارسة منطق القوة المفرطة المستند على تطبيقات المرحلتين الأولى (القصف الجوي) والثانية (التوغل البري) لم يؤد بعد مضي أكثر من عام إلى تحقيق أهداف إسرائيل في حرب غزة وبمقدمها إطلاق الأسرى من يدي حماس؛ كما أن تطبيقات المرحلة الثالثة من الحرب المعتمدة على الاغتيالات لم تؤد في لبنان إلى إعادة المستوطنين النازحين في الشمال إلى بيوتهم بل هي تؤدي الآن إلى نزوح نتنياهو نفسه عن منزله الواقع وسط فلسطين المحتلة. والفكرة الأساسية هنا هي أن حرب نتنياهو وصلت لذروة حاجتها إلى إيجاد أهداف سياسية لها؛ وذلك بعد أن استنفذت كل أهدافها العسكرية والأمنية، وبينها الاغتيالات.. أغلب الظن أنه سيتضح لنتنياهو أن اغتيال السنوار هو هدف ممكن، بل حتى يمكن نيله بالصدفة؛ ولكن بعد تحقيقه سيصبح هدف إطلاق أسير إسرائيلي واحد من قبضة حماس هو هدف مستحيل؛ وسيتضح لنتنياهو أيضاً أن هدف اغتيال السيد حسن نصر الله، ليس مستحيلاً؛ ولكن قيام نتنياهو به سيترتب عليه تبعات جعل حماية أمنه الشخصي، وليس فقط أمن إسرائيل؛ هو أمر مشكوك فيه.
هناك خشية أن تكون المنطقة المتوجسة من نشوب حرب إقليمية؛ قد دخلت حلقة حرب الاغتيالات المقفلة؛ حيث تنشط دينامية توالي عمليات فصل الرؤوس الكبيرة عن أجسام مشاريعها السياسية؛ بحيث تصبح حرب الاغتيالات هي الحل، أو هي “شبهة الحل”، طالما أن الحروب العسكرية لا تنتج لا تسويات ولا غلبة.. بمعنى آخر فإن ما سيكون مطروحاً هو تفعيل مقصلة الاغتيالات كصيغة عملية لمقاربة كل أزمات المنطقة؛ ووفق هذا التوجه فإنه ينتظر أن يدخل كل زعماء الشرق الأوسط من دون استثناء دائرة خطر تطبيقات مرحلة حرب جاك سوليفان الثالثة التي تشجع دينامية “إطلاق نار أقل وحصد رؤوس كبيرة أكثر”..