خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
قبل ساعات من وصول هوكشتاين إلى بيروت سربت تل أبيب ما سمته ورقة إسرائيل للحل في لبنان؛ وتضمنت هذه الورقة تعديلات جوهرية على القرار ١٧٠١ يعرف هوكشتاين مسبقاً أنها مرفوضة من قبل لبنان. تضمنت الورقة الإسرائيلية المطالبة بإستمرار طلعاتها التجسسية في الأجواء اللبنانية؛ علماً أن هذا الطلب يخالف جوهر القرار ١٧٠١ الذي من أهدافه حفظ سيادة لبنان. ولكن بكل حال فإن هذا الطلب الإسرائيلي الذي هو واحد من طلبات أخرى، ليس جديداً؛ فكان سبق لإسرائيل أن طلبته وزادت عليه “اقتراحاً عملياً” لجعله مقبولاً من جانب لبنان(!!)؛ وهو أن تتعهد إسرائيل بأن تُسير طائراتها التجسسية على ارتفاع شاهق في الأجواء اللبنانية ما يؤدي إلى حجب رؤيتها.
هناك مطلب آخر يتعلق بتعديل صلاحيات قوات اليونيفيل؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أن عمل قوات اليونيفيل يتم وفق مهام “وقف العمليات العدائية” وليس وفق بند وقف إطلاق النار. آنذاك – بحسب ما يروي د. طارق متري الذي فاوض على القرار ١٧٠١- فإن القرار تمت صياغته تحت عنوان وقف العمليات العدائية على أن يتم بعد فترة وجيزة – عدة أسابيع فقط – إعادة صياغته في مجلس الأمن ليصبح “وقف إطلاق النار”؛ ولكن ذلك لم يتم حتى الآن.
.. وسيكون هوكشتاين بحال أراد تعديل القرار ١٧٠١ أن يبدأ من النقطة التي كان بجدر تعديلها منذ العام ٢٠٠٦ ولم يحدث ذلك؛ أي نقل عنوانه من “وقف العمليات العدائية” إلى “وقف إطلاق النار”. ولكن واشنطن تجاهلت هذا التعديل طوال عقدين من الزمن، وحالياً لن تكون قادرة على إدخال تعديلات على القرار ١٧٠١ لأن وضع علاقاتها مع دول القرار في مجلس الأمن يسوده التوتر الحاد؛ وعليه فإن اقتراحاتها لتعديل القرار ١٧٠١ ستواجه حتماً بالفيتو الصيني أو الروسي؛ وأيضاً حتى بالفيتو الفرنسي الذي ينظر بريبة إلى مجمل موقف واشنطن والغرب غير الأوروبي، من الدور الأوروبي عبر اليونيفيل في منطقة المتوسط.
من كل ما تقدم يمكن استنتاج أن مصير القرار ١٧٠١ يقع بين معادلتين: “إما تنفيذه كله كما هو، أو تركه كله”؛ وسبب ذلك هو أولاً: لأنه من الصعب إيجاد موافقة إسرائيلية ولبنانية على صيغة معدلة له؛ ثانياً: لأنه لا يمكن تعديل القرار ١٧٠١، لأن ذلك يتطلب قراراً من مجلس الأمن؛ ونيل مثل هكذا قرار هو أمر صعب، نظراً لحالة التوتر الشديد التي تسود علاقات دول مجلس الأمن.
ورغم ما تم نشره تحت إسم ورقة هوكشتاين والتي برز فيها أنه طالب بتعديلات على القرار ١٧٠١؛ إلا أن تصريحاته بعد لقائه بالرئيس بري أكدت على عكس ذلك؛ إذ قال إنه لا يريد تعديل القرار ١٧٠١ بل يريد بحث تنفيذه؛ وكان بري أعطى إشارات بعد لقائه بهوكشتاين، تشجع على الاعتقاد بأن الأخير لم يطالب بتعديل الـ١٧٠١؛ إذ سرب لإعلام مقرب منه أن اجتماعه بهوكشتاين لم يكن سلبياً بل كان إيجابياً ولكنه في تسريب آخر قال بري إن العبرة في التنفيذ. بمعنى آخر فإن بري يقول إن لقائه بهوكشتاين كان جيداً؛ ولكن هل تستطيع إدارة بايدن أن تلزم نتنياهو بأي اتفاق يتوصل إليه هوكشتاين في بيروت حول تنفيذ القرار ١٧٠١؟
يوجد لدى الرئيسين بري وميقاتي ما يسمى بعقدة البيان الأميركي الفرنسي الذي كان أعلن الشهر الماضي، والذي توصل لوقف النار، وكان وافق عليه السيد حسن نصر الله وأيضاً وافقت عليه إسرائيل؛ غير أن نتنياهو عاد وانقلب عليه.. وكل هذا يقود إلى الاستنتاج الرئيسي التالي: ليس هناك سقف أميركي أو دولي ضاغط في هذه المرحلة على نتنياهو؛ والبطة العرجاء الأميركية المقيمة في البيت الابيض، دخلت في إجازة من مسؤولياتها الدولية؛ وهذه الإجازة ستصبح في ذروتها منذ ٥ نوفمبر موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، حتى ٢٠ يناير موعد استلام الرئيس الأميركي الجديد؛ وهذه المساحة الزمنية يتوقع محللون استراتيجيون أن تشهد أخطر التحولات العسكرية!!