خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
حدثت أمس مجموعة أحداث منها ما كان مخططاً سلفاً ومنها ما تم بأسلوب اقتحام الواقع السياسي القلق الراهن: الحدث الأول هو انعقاد مؤتمر البريكس في روسيا.. مجرد انعقاده في روسيا بحضور عشرات الدول يضفي على الحدث أهمية تتعلق بأن موسكو تقول لواشنطن وللغرب إنها غير معزولة وليست محاصرة، وأكثر من ذلك انها مستمرة بقيادة العالم في محاولة انتاج منظومة اقتصاد شرقي مواز ومنافس لمنظومة الاقتصاد العالمية المهيمنة حالياً بزعامة الولايات المتحدة الأميركية..
مالياً واقتصادياً لا يتوقع الكثير من مؤتمر بريكس؛ كل المأمول هو إنجازات تكتيكية على مستوى أحداث تقارب بطيء بين دوله بشأن قضايا بلورة مفاهيم جديدة لإنشاء نظام مالي واقتصادي عالمي مواز للنظام الغربي. لكن سياسياً تبدو الصورة مهمة؛ حيث أنه في خلفيتها تظهر أن هناك طابوراً طويلاً من الدول التي تنتظر الدخول إلى نادي البريكس؛ أما في متن الصورة فتظهر دول دخلت حديثاً إلى البريكس مثل مصر وإيران والإمارات وأثيوبيا؛ في حين أنه على ظلال الصورة تظهر الدول الهامة التي لا تزال مترددة بدخول نادي البريكس مثل السعودية؛ بمقابل أن هناك دولاً هامة تتحمس للانضمام له مثل تركيا المحبطة من تردد الإتحاد الأوروبي بضمها لناديه.
يتوجب انتظار يومين حتى يتضح إلى أي نقطة ستصل قمة البريكس ١٦ في معركتها طويلة الأمد ضد هيمنة أميركا على النظام العالمي المالي. ولكن بخلال انعقاد قمة البريكس حصل حدث اقتحم المشهد السياسي الحالي من خارج التوقعات؛ وتمثل بهجوم مسلحين من حزب العمال الكردستاني على منشأة صناعية عسكرية تركية هامة في أنقرة. اللافت في الهجوم المسلح هو التالي: ١- تبنيه من حيث أسلوب العملية من قبل حزب العمال الكردستاني؛ ٢- العملية تمثل عودة الكرد لعمليات حرب العصابات ضد تركيا مما يقطع هدنة طويلة سادت على هذا النوع من الجبهات.
السؤال الذي طرح نفسه هو لماذا الآن؟؟.
التحليلات المتسرعة اعتبرت العملية رد فعل على دعوات صدرت قبل أيام قليلة في تركيا، تطالب بضرورة استئصال ما سمي هناك “بالإرهاب الكردي”!!. ولكن هناك تحليل أبعد أثراً؛ وهو ينظر للهجوم من زاوية ما يحدث في المسرح الجيو سياسي الذي جرت فيه:
يوم ١١ أكتوبر الماضي ألقى أردوغان بتصريح لافت والبعض اعتبره غريباً؛ جاء فيه “أن المكان التالي الذي تنظر إليه إسرائيل بعد لبنان – وأقولها بكل وضوح – هو بلدنا (أي تركيا)؛ فالأناضول جزء من أحلام نتنياهو”.
أبرز تفسير لكلام أردوغان اللافت هو أنه يمهد للتحرك عسكرياً باتجاه تحقيق هدفين: الأول تحصين نفوذه في الشمال السوري. الثاني دعم هجوم على حلب.
سيكون ممكناً فهم العلاقة السببية التي تنشئها أنقرة بين هجوم إسرائيل التدميري والتهجيري على لبنان وبين تبرير تحركه العسكري في شمال سورية انطلاقاً من حقيقة أن المسرح الجيوسياسي في منطقتنا يتحرك بسرعة وبدينامية لافتة باتجاه نشوب ثلاثة حروب أو معارك كبيرة:
الحرب الأولى هي التي يحتمل أن تنتج عن الرد الإسرائيلي المنتظر على هجوم إيران البالستي الأخير على إسرائيل.
.. قرار فتح هذه الجبهة هو بيد نتنياهو؛ وليس معروفاً على وجه الدقة حقيقة الموقف الأميركي منها؛ هل هي جادة بمنعها؛ أم هي تريد ذلك ولكنها ليست قادرة؟
الحرب الثانية المنتظرة أو المعركة الكبيرة الثانية يتمثل بهجوم متوقع لهيئة تحرير الشام على مدينة حلب، بغية السيطرة عليها.
يلاحظ في هذا المجال أن محمد الجولاني زعيم المنظمة التي قامت مؤخراً بهيكلة نفسها لتصبح “شبة دولة”؛ زار مؤخراً الحدود السورية التركية والتقى هناك بكبار “القادة العسكريين” لجيش الوطني السوري (امتداد للجيش الحر).. وبالمقابل قام النظام السوري مؤخراً بتحريك قطاعات عسكرية من وسط سورية إلى خط المواجهة غرب حلب؛ فيما الطائرات الروسية والمسيرات والمدفعية السورية ضاعفت من عمليات دكها لمواقع المعارضة السورية في منطقتي ادلب وحلب.
هذه الحرب يتم تصويرها من قبل الجهات التي تسوق وتخطط لها (هيئة تحرير الشام) وأوساط عسكرية وسياسية تركية؛ على أن توقيتها يأخذ معطياته من أن المحور الذي يدعم الدولة السورية أصيب في مقتل، وخاصة بعد نجاح إسرائيل في اغتيال السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي كان له دور مهم في مساعدة الجيش السوري بكسر شوكة معارضيه المسلحين في منطقتي حلب وحمص.. ولكن أبعد من ذلك، فإن تجهيز حملة عسكرية لإعادة الأحداث في سورية للحظة المعارك للسيطرة على حلب؛ تعني أمراً أساسياً؛ وهو أن هناك عودة استراتيجية لإنشاء صراع عسكري متجدد بين قوى الأمر الواقع في سورية وبين النظام وحلفائه فوق المسرح الجيوسياسي الذي شهد هدنة لعدة سنوات؛ ويبدو أنه مطلوب له أن يعاود التحرك بمقاييس الزلزال الذي حدث بين عامي ٢٠١١ ولغاية ٢٠١٨.
الحرب الثالثة المتوقعة أو المعركة الكبرى هو أن يربط أردوغان بين قيام نتنياهو باقتطاع منطقة جنوب الليطاني في لبنان، بدعوى أنها تُبعد خطر حزب الله وإيران عن حدوده؛ وبين حقه عندها بإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بدعوى ليس فقط أن الجغرافية السياسية تتغير في منطقة المشرق العربي بل لأن نتنياهو وأقصى اليمين الاسرائيلي لديه طموحات توسعية في منطقة الأناضول.
قصارى القول في هذا المجال ان الحريق اللبناني ومعارك تغيير الديموغرافيا التي يخوضها نتنياهو في لبنان؛ تنذر بأن يكون لها تداعيات وتتمات إقليمية خطرة؛ وما يظهر من هذه التداعيات الخطرة للعلن حتى الآن؛ هو “إمكانية اندلاع ثلاث حروب على التوالي وبالترابط على مستوى أسبابها”: “حرب إقليمية تنشب بعد الرد الاسرائيلي على إيران”؛ “حرب للسيطرة على مدينة حلب”؛ “حرب التوازن بين إنشاء منطقة أمنية إسرائيلية في جنوب الليطاني ومنطقة أمنية تركية بعمق ٣٠ كلم داخل الأراضي السورية”.