الهديل

خاص الهديل: الرد الإسرائيلي في طهران: ثلاثة استنتاجات حاسمة 

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة 

كان واضحاً أن إيران تم وضعها بأجواء أن إسرائيل تعتزم في غضون ساعات البدء بردها العسكري ضدها؛ تماماً كما أن إسرائيل كانت وضعت قبل نحو شهر في أجواء متى ستنفذ طهران ردها العسكري ضدها.. وكان واضحاً لطهران ما هي الأهداف التي ستقصفها إسرائيل؛ ذلك أن الحوار الأميركي الإسرائيلي الذي نسق الرد العسكري الإسرائيلي ضد إيران كان جرى بصوت مسموع، بحيث أنه حدد على مسمع من طهران، ما هو مسموح لإسرائيل أن تضر به وما هو محظور عليها المس به (أي النووي والطاقة)؛ وكل هذا الواقع العملي الذي يتحكم بمناورات الردود العسكرية بين تل أبيب وطهران المعروفة توقيتاتها مسبقاً والمعروفة أهدافها قبل استهدافها؛ يقود إلى ثلاثة استنتاجات حاسمة وواضحة ولا لبس فيها مطلقاً: 

الاستنتاج الأول يفيد بأن التوتر عال المستوى القائم بين إيران وإسرائيل مسيطر عليه دولياً وبخاصة أميركياً؛ وهو موجود ٢٤ ساعة على ٢٤ ساعة داخل غرفة العناية الدولية المكثفة وشديدة الرقابة والحازمة في تعاطيها مع الطرفين.  

وهذه الحقيقة توحي وكأن النظام الدولي العالمي لم يبق له وجود إلا فوق مساحة صراع واحدة في العالم؛ وهي مساحة الصراع الإيراني الإسرائيلي المباشر؛ علماً أن كل ساحات الصراع الأخرى من أوكرانيا إلى السودان ومن قرباخ إلى غزة مروراً بلبنان، (الخ…)، متروكة ولا يوجد عليها أي أثر للإدارة من قبل النظام الدولي العالمي.

 

ويمهد هذا الاستنتاج لطرح سؤال أساسي حول لماذا فقط أزمة إسرائيل- إيران تحظى بعناية إدارة النظام الدولي؛ فيما هذا النظام لا يبدو له وجود ولا أثر ولا نفوذ على أزمات المنطقة الأخرى الدامية، مثل أزمة حرب إسرائيل على غزة والحرب بين إسرائيل وحزب الله وبين روسيا وأوكرانيا، الخ.. 

 

هناك الكثير من الأجوبة عن هذا السؤال، منها أن واشنطن ومعها أوروبا وبمقابلهم روسيا والصين، يجتمعون على فكرة أنه ليس هناك مصلحة لكل هذه الدول بنشوب حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل؛ في حين أن جميع هذه الدول لا ترى أن مصالحها في خطر إذا نشبت حروب بين إسرائيل وبقية دول المنطقة، أو بين دول المنطقة فيما بينها، أو بين أطراف داخل دول المنطقة كما يحدث في السودان وليبيا وسورية.. 

 

يجدر هنا لحظ أن إدارة النظام الدولي في حالة موت سريري تجاه تعاطيه الفعلي مع كل أزمات المنطقة الساخنة والدامية والخطرة على الأمن الإقليمي؛ فمثلاً أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا لم تلفت نظر إدارة النظام الدولي إليها، رغم الأخطار الكامنة فيها.. أضف أن مشكلة الحرب السودانية الداخلية متروكة من دون تدخل دولي لإنشاء تسوية لها. وكذا الحال بالنسبة لأزمات أخرى كثيرة. ويقود ما تقدم إلى لحظ أن هناك معادلة دولية تحكم الشرق الأوسط ومفادها أن أية حرب لا تكون فيها إسرائيل وإيران بمواجهة مباشرة؛ هي حرب لا ترقى لكونها تشكل تهديداً للأمن الإقليمي والعالمي؛ وهي حرب يمكن التعامل معها وفق تصنيف أنها حروب منسية ولا داعي للهلع الدولي بشأنها!!.

 

أما السؤال لماذا يفكر النظام الدولي على هذا النحو؛ فهو أمر على صلة بثقافة الغرب بخصوص رؤيته للمنطقة ودولها؛ وأيضاً على صلة بتوازنات جيوسياسية وأبعاد معقدة للمنطق الذي يتحكم بجدوى الحرب وجدوى السلم من وجهة نظر النظام الدولي الذي ظهر خلال ساعات فجر اليوم أنه موجود بكامل عافيته وشبابه؛ وأنه يدير لعبة الحرب الإيرانية الإسرائيلية بكل جدية واقتدار. 

 

مع انتهاء الرد الإسرائيلي ستختفي فجأة إدارة النظام الدولي من المنطقة؛ ليحل مكانها إدارة التوسل الأميركية لإسرائيل التي ستبدو هنا بمشهد من ترفض وتدوس على شروط الإرادة الأميركية والأوروبية والعالمية؛ ولا تلتزم بأجندة الرد العسكري التي تضعها واشنطن لها كما التزمت بردها على إيران!!.

 

الاستنتاج الثاني الأساسي هو استتباع للمنطق الظاهر في الاستنتاج الأول، مفاده أن إسرائيل موجودة من رأسها حتى قدميها تحت الخط الأحمر الأميركي، وليس فوقه كما يظهر سلوكها في حربي غزة ولبنان.. والدليل على ذلك أن إسرائيل في ملف إيران تلتزم بشروط اللعبة الدولية والأميركية، ولكنها في غزة ولبنان تتجاوز الحدود الأميركية المعلنة؛ وتقوم واشنطن بتقديم وجه آخر للعالم يشي بأنها عاجزة عن ضبط إسرائيل.

 

الاستنتاج الثالث يقع في أنه إذا كانت إسرائيل تعترف عملياً بأن الضوء الأخضر الأميركي والدولي المعطى لها في حربها مع إيران، لا يسمح لها بايذاء إيران بالمعنى الاستراتيجي؛ فلماذا تستمر بالاستثمار في قطاع إعلان عدائها لإيران وتهيئها للحرب عليها؛ ونفس هذا السؤال، ولو بشكل معكوس يمكن توجيهه أيضاً لطهران الممنوع عليها دولياً – والتي لا تريد أيضاً – الذهاب بعيداً في الحرب المباشرة مع إسرائيل. 

وكل ما تقدم يأخذ إلى حقيقة أن المنطقة تعيش سياسياً وأمنياً وعسكرياً داخل المساحة الفاصلة بين ردود إيران وإسرائيل العسكرية على بعضهما البعض، وهي ردود تجري تحت رعاية واشنطن التي تقود بفعالية إدارة النظام الدولي حينما فقط تريد فعل ذلك.

Exit mobile version