الهديل

خاص الهديل: هكذا يفكر نتنياهو: “حرب استنزاف حتى نهاية هذا العقد”!!

خاص الهديل..   

بقلم: ناصر شرارة

.. نحن بعيدون عن وقف النار؛ ببساطة لأن بنيامين نتنياهو يريد حرب استنزاف طويلة سواء في غزة أو في لبنان.

الغريب أن فكرة حرب الاستنزاف خلال بدياتها كانت تؤشر للإعتقاد بأن المقصود بها هي أن يوجه أعداء إسرائيل حرب استنزاف طويلة المدى ضدها؛ وذلك عبر فتح جبهة غزة من جهة وجبهات إسناد لغزة لبنانية وسورية وعراقية ويمنية، الخ.. غير أن هذه النظرية لا تبدو اليوم أنها قابلة للتنفيذ. وأكثر من ذلك – وبعد أكثر من عام على الحرب – يتضح أنه بات اليوم من يطلب أن تستمر الحرب ضمن مفهوم شن حرب استنزاف طويل المدى، هو إسرائيل ونتنياهو، وليس حماس أو حزب الله !!

 

.. طوال أكثر من سبعين عاماً نامت العقيدة العسكرية العربية على نظرية أن مقتل إسرائيل تكمن في الحرب الطويلة. وساعد على تشجيع ترسخ هذه النظرية عند العرب، الإسرائيليون ذاتهم الذين اعتبروا أن الحرب الخاطفة هي منجاتهم؛ فيما الحرب طويلة الأمد تقود لهلاكهم.. حالياً يسعى نتنياهو لإطالة أمد الحرب، وهو يهرب على نحو واضح من إيقافها حتى لو توفرت له صور نصر كثيرة، وليس صورة واحدة؛ وأكثر من ذلك فإن كواليسه باتت تسرب عنه أنه يؤمن بإدارة حرب استنزاف طويلة الوقت ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان!!..

 

.. ولكن كيف انقلب الأمر لتصبح الحرب طويلة الأمد هي مطلب إسرائيل؛ وليس مطلب كل من حماس وحزب الله؛ وهما المنظمتان اللتان تقوم كل عقيدتهما العسكرية على فكرة توجيه حرب استنزاف طويلة ضد الكيان الإحتلالي الإسرائيلي؟؟

 

في إسرائيل وخارجها؛ يشيع ما يمكن تسميته “بالإشاعة الصحيحة” ومفادها أن نتنياهو يريد الهروب من وقف الحرب ويعمل على استمرارها لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي والحفاظ على حكومته. هذا التحليل ينتمي لنظرية “الإشاعة الصحيحة”، بمعنى أن نتنياهو يريد أيضاً تحقيق غايات أخرى من قراره بإطالة أمد الحرب تتصل بجعل إسرائيل تتكيف مع أجيال جديدة من التحديات الأمنية الاستراتيجية؛ وأبرز ميزات هذه التحديات هو أن إسرائيل تقاتل جيوشاً غير نظامية وكيانات ليس لها شكل دولة؛ وعليه فإنه يستحيل تسجيل انتصار سريع عليها؛ بل يجب قتالها بأسلوبها طويل النفس؛ ويجب مطاردة نموذجها بأسلوب الإجتثاث وليس فقط الإكتفاء بمطاردة فلولها. وكل هذا المستجد على مستوى التحديات الأمنية، جعل إسرائيل تقرر الانتقال “أولاً من مرحلة الحروب الخاطفة إلى مرحلة الحروب طويلة الأمد”؛ و”ثانياً الانتقال من مرحلة الحرب ضد استنزافها إلى حرب استنزاف العدو بقوة النار واغتياله وتوجيه مصادر قتال متنوعة ضده والفترة طويلة جداً ومستمرة”.

 

لو أن أي مراقب سمع قبل نحو عامين أو ثلاثة أن إسرائيل تقول أنها تعتزم شن عقد (١٠ سنوات) من الحرب المتواصلة؛ كان سيصعب عليه تصديق ذلك؛ ولكن هذا الطرح عرضته تل أبيب على طاولة نقاشها الاستراتيجي مع واشنطن الجاري حالياً. تقول إسرائيل إنها تحتاج لعقد كامل من شن الحرب المتواصلة على القوى التي تحاربها؛ وتلفت إلى أن هذه القوى ليست فقط تلك المدعومة من إيران؛ بل أيضاً إيران في مقدمها.

 

تقول نظرية حرب الاستنزاف طويلة المدى الإسرائيلية (حرب لعشر سنوات) أن إطالة أمد الحرب أفضل لإسرائيل من التسوية بالوقت الراهن؛ لأن الأخيرة ستقود لفتح باب التفاوض مع الفلسطينيين؛ وستقود لإمكانية إنشاء دولة فلسطينية؛ وهو الأمر الذي قاتل نتنياهو ٣٠ عاماً من أجل منع حدوثه.

 

وفي لبنان يريد نتنياهو إطالة الحرب حتى يمكنه استنزاف كل قدرات حزب الله العسكرية والسياسية والاقتصادية؛ وأيضاً إنشاء واقع جديد على الحدود مع لبنان.

 

بعد اغتيال السنوار قال أهالي الأسرى الإسرائيليين أنه تم قتل يحيى السنوار وفي لبنان تم تحييد كل قادة حزب الله؛ فلماذا تستمر الحرب؟؟.

 

أجاب نتنياهو أن المهمة لم تكتمل بعد. ومن وجهة نظره فإن هذه المهمة هي القضاء على الوجود الفلسطيني في غزة؛ وجعل الضفة الغربية بمثابة أرض لا يوجد للمواطنين الفلسطينين فوقها علاقة بها.. أي تحويلهم لسكان ينتمون للأردن فيما الضفة أرض تنتمي للكيان العبري. على المدى المنظور، سيكون على نتنياهو في مشواره لإنجاز حرب العقد المستمرة، انتظار وصول ترامب للبيت الأبيض كون الأخير قطع له وعداً بأنه سيوقع قراراً باعتراف الولايات المتحدة الأميركية بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل حال نجاحه بالانتخابات الرئاسية. وفي لبنان يخطط نتنياهو لجعل الحرب مع حزب الله جزء من حياة إسرائيل الطبيعية؛ وقبل أيام طلبت الجبهة الداخلية الإسرائيلية من مناطق في الشمال، أن تعود إلى حياتها الطبيعية رغم وجود تهديدات بأن يطاولها قصف حزب الله.

 

بالمقابل فإن إسرائيل في غزة تقوم بعمليات إخلاء مصحوبة بقتل سكان شمال غزة. مؤخراً قتل الجيش الإسرائيلي نزلاء مأوى للمسنين الفلسطينيين بدعوى أنه يقوم بإخلائهم باتجاه جنوب غزة. وفي لبنان يقوم الجيش الإسرائيلي بقتل سكان مبنى كامل بدعوى أنه يطارد مسؤول من حزب الله يقطن فيها. إن الكلفة التي يجب على لبنان دفعها بموجب خطة حرب الاستنزاف الإسرائيلية هي بقاء ثلث مناطق لبنان مهجرة؛ مع تدمير المركز التجاري للشيعة: الضاحية. أضف لذلك قتل الحياة في مساحة واسعة من الجنوب؛ ومطاردة حزب الله ليس فقط في الميدان، بل أيضاً مطاردة وجوده المدني داخل البيئات اللبنانية وخلق معادلة نبذه منها.

 

وما يحدث على مستوى ما تقوم به إسرائيل على هذا الصعيد؛ يهدد بأنه سيتطور بفعل تسلسل فصول الجريمة ليصل لمرحلة الاستمرار بشن “حرب العقد” (أي الحرب طويلة المدى حتى نهاية العقد الحالي) ليس فقط على حزب الله؛ بل بالاضطراد على “مجمل الوجود الشيعي في لبنان”؛ ومن ثم على “تماسك الوجود الكياني اللبناني”.

 

يبدي نتنياهو استعداداً لأن يستمر في هذه الحرب حتى نهاية هذا العقد؛ أي لغاية ٢٠٣٠؛ وهو يسميها “حرب استنزاف أعدائه” حتى الرمق الأخير.

أغلب الظن أن خطط نتنياهو لن تنجح، ولكنها ترفع مستوى التحدي سواء على الفلسطينيين أو اللبنانيين.

Exit mobile version