الهديل

د. حمد بن عبد العزيز الكواري: الشعوب الحية تصنع تجربتها الدستورية الأصيلة

د. حمد بن عبد العزيز الكواري:
الشعوب الحية تصنع تجربتها الدستورية الأصيلة

 

المصدر: جريدة الشرق
إنّ من لا يستوعب حركة التاريخ في تجددها ومتغيراتها لا يستطيع إدراك حجم تحديات أيّة مرحلة ولا يقدر على استخلاص العبر، لذلك فالنظر إلى أي تجربة سياسية يخضع بالضرورة إلى فهم مقتضيات التاريخ التي ترى في الممارسة السياسية عملا إنسانيا يستجيب لطبيعة المجتمع وليس فعلا يتغذّى من النظريات التي لم تتولّد طبيعيا من تراكمات التجربة السياسية للمجتمع، فلا معنى لإسقاط نظريات سياسية «مستوردة» على مجتمع له خصوصياته المحلية وتجربته الذاتية. ليس في كيفية إدارة الشأن العام وإحكام العلاقة بين السلطة والشعب بل في سائر مجالات معاش هذا المجتمع، حيث يختص بمدوّنته القيمية وأعرافه النبيلة المتوارثة عبر الأجيال.
نعم للتعديلات الدستورية
وهذا ما تشي به التعديلات الدستورية التي مرت بها بلادنا منذ صدور الدستور حتى الآن من مراكمة للخبرات وتأمّل في فاعلية الممارسة على أرض الواقع.
فالأمم الحية هي التي تتسم بمراجعة تجاربها، على ضوء مسيرتها، فتعدل وتضيف وتحذف ما تقتضيه مصلحتها. إذ لا يمكن أن تستمرّ في وجودها إلاّ بفضل هذه المراجعة.
المواطنة تعني العدل والمساواة
* واذا كان هذا الأمر بالمطلق، فهو الأجدر في المرحلة التي نعيشها، والتي تتسم بسرعة المتغيرات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبتزايد التحديات، فالعالم يتغير بوتيرة متسارعة، ويضع كل مجتمع أمام تحديات جديدة، ومن حق كلّ مجتمع أن يُقدّر طبيعة وشكل الاستجابة لهذه التحديات، وما دام المجتمع حرا وصاحب سيادة فلن يستعير تجارب مجتمعات أخرى ليطبّقها في معاشه، بل هو ينطلق لا محالة من أصالة تجربته التاريخية والحضارية ليكون له منواله المخصوص.
فبلادنا العزيزة منذ صدور الدستور حتى الآن اتسمت مسيرتها بإنجازات جمة وبتغييرات في كل المجالات، وأصبحنا جيلا متعلما وقادرا على تحمّل المسؤوليات وله كفاءة المشاركة في بناء البلاد.
التعديلات تمثل ادراك القيادة لطبيعة المرحلة التي نمر به
* كما أن لدينا قيادة مدركة لمتطلبات التنمية المستدامة والاستقرار، ومدركة لحجم بلدنا الاقتصادي وتقدّر دورها في استقرار المنطقة والعالم ككل، وقد استطاعت بتناغمها مع متطلبات شعبها وسرعة التطورات في العالم أن تقود الدفة، وأن تقوم بدور بارز ومقدر في تسوية الأزمات والنزاعات بفضل الوساطة بين الأطراف المتنازعة، مما جعل دولة قطر تحتل مكانا على خريطة العمل من أجل إحلال الأمن والسلام في العالم بدور بارز ومعترف به في العديد من القضايا الشائكة، وجعل بلادنا محط أنظار العالم بنجاحها في حلحلة قضايا عديدة في منطقتنا وفي العالم ككل، وقوبل هذا الدور باعتراف العالم وتقديره لدبلوماسيتنا، كما كان لدبلوماسيتنا الناعمة دور كبير في تعزيز مكانة بلادنا، وتقديم ثقافتنا وخدمة قضايانا، والتعريف بقيمنا في نصرة المظلومين والوقوف مع الشعوب التي تتطلع لتحقيق كرامتها وحريتها.
بلدنا أكتسبت ثقة العمل في استضافة الفعليات العالمية، ووساطات الخير
* كما أن ذلك التناغم بين الحاكم والمحكوم القائم على الثقة على امتداد أجيال الحكم من زمن تأسيس الدولة إلى الان، والحرص على تحقيق العدل بين المواطنين كان له أيضا دوره في الاستقرار وتعزيز مسيرة البناء الناجحة على كل الأصعدة.
وما استضافة بلادنا للفعاليات الدولية بنجاح أبهر العالم مثل استضافة كأس العالم لكرة القدم بشكل لم يسبق، إلا دليل أثبتنا فيه قدراتنا على مجاراة نسق التطور الحضاري في العالم وأبرزنا فيه تلاحم الشعب مع القيادة وتقديم العرب وثقافتهم والثبات في وجه التحديات، وكان ذلك بمثابة الأنموذج المبهر للنجاح الذي تحققه دولتنا الفتية.
لدينا جيل متعلم واع، متمتع بالخبرات القادرة على تحمل السؤولية
* والآن تأتي التعديلات الدستورية لتؤكد استعداد بلادنا بقيادتها الشابة والنشطة على الاستعداد للمرونة والتغيير المطلوبين للاستقرار والازدهار والسلم الاجتماعي.
وكلنا نعلم الأزمات الكبرى التي يمرّ بها العالم وتمرّ بها منطقتنا العربية على وجه الخصوص والتي تستلزم منا الحذر والحرص على التلاحم وتقييم تجربتنا في الشورى، واتخاذ ما يلزم من تغييرات ولذلك كانت التعديلات الدستورية التي تقدم بها قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في مجلس الشورى منذ عدة أيام، وقد أقرها مجلس الشورى الموقر في جلسته أمس الاول بالاجتماع وستطرح للاستفتاء للشعب ليقول كلمته النهائية.
على ثقة على أن قيادتنا ستختار الأفضل
* والناظر في التعديلات يرى موضوعيتها وضرورة الأخذ بها والتصويت بنعم عليها،
فالمواطنة ماعادت تفرق بين مواطن وآخر، وهذا إنجاز يجب أن نصوت عليه ونوثقه وهو يعكس روح التآلف والتعاون والتضامن بين المواطنين فيما بينهم وبين قيادتهم، وهو ديدن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دولتنا عبر المراحل منذ ولادة الدولة حتى يومنا هذا.
كذلك فإننا مجتمع متجانس ونعرف بعضنا بعضا، كما نثق في قيادتنا التي تمثلنا خير تمثيل في اختيار مجلس الشورى، بما يجعل منه مجلسا فعالا، ولدينا جيل متعلم وواع ومدرك لواقعه ولمحيطه الخليجي والعربي والدولي، ونحن على ثقة أن قيادتنا ستختار أفضل القيادات لعضوية الشورى، بما يعكس طبيعة بلادنا وثقافتنا وعقيدتنا ومتطلبات التنمية المستدامة، ليقوم بمهمته على خير وجه، وليضع يده في يد القيادة لبناء البلاد، ومواجهة التحديات والسير إلى شاطئ الأمان بنجاح وبسلام اجتماعي وبتضامن للمحافظة على هذا البلد المعطاء.
المراجعة وتصحيح المسيرة دليل على المرونة وفهم طبيعة المرحلة
* وأضيف أن مبدأ الشورى متأصل في مجتمعنا، حيث أهل المشورة والخبرة يجدون قنوات مفتوحة عبر مجتمعنا وعلاقاتنا الاجتماعية ومجالسنا التي هي جزء من حياتنا اليومية، ولقاء مفتوح ومتاح بين القيادة والناس.
لذلك سنقول وبصوت عال للاستفتاء بنعم كبيرة تعكس وحدة القيادة والشعب كما تترجم الإرادة في وحدة بلادنا واستقرارها وسيادة قرارها ونجاح دورها في العالم كقوة خير وسلام وعطاء.
دبلوماسيتنا النعمة كان لها دورها في تقديم بلادنا للعالم
إن حرص القيادة بطرح التعديلات على الاستفتاء،، لدليل على ثقتها في شعبها وحرصها على سماع صوته، والاستفتاء سيد القوانين. كما أنّ هذه الخطوة علامة على شجاعة وجرأة القيادة في تعديل ما ينبغي تعديله وفق فهمها العميق لطبيعة المرحلة التاريخية.
ولنعلم أنّ الشعوب الحية والجديرة بالحياة هي التي تقف من وقت لآخر لتقوّم تجربتها، ولتنطلق من جديد في مسيرة النجاح والاستقرار بينما الشعوب والأمم التي تتراخى عن أداء دورها التاريخي سرعان ما تفقد قدرتها على التجدّد والاستمرار.

 

دكتور حمد الكواري
وزير دولة بدرجة نائب رئيس وزراء
رئيس مكتبة قطر الوطنية

 

Exit mobile version