خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
غادر هوكشتاين أمس إسرائيل عائداً إلى الولايات المتحدة الأميركية؛ من دون أن يعرج على لبنان كما كانت خطة الزيارة الأساسية.
في إسرائيل التقى هوكشتاين بنتنياهو وبغالانت وطرح حسب معلومات ثلاث مسودات لوقف النار بين إسرائيل ولبنان. وتسرب منها واحدة ربما كانت مسودة دمجت فيها المسودتين الأخريتين.
.. وبالمحصلة فإن الورقة التي تمت صياغتها على يدي هوكشتاين هي ورقة كتبت ليرفضها حزب الله؛ وهناك دلائل كثيرة على ذلك: على سبيل المثال هناك بند في المسودة تطلب فيه إسرائيل بزيادة عدد قوات اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب؛ ولكن هذا البند يضيف بأنه إذا حصل حدث أمني فمن حق إسرائيل دخول الجنوب براً أو جواً من دون أن يكون لأحد حق الاعتراض على ذلك!!. ووببساطة فإن هذا البند يشرعن استباحة السيادة اللبنانية من قبل إسرائيل تحت ذريعة أنها تشتبه!!
مثال آخر: تطالب إسرائيل في بند آخر تضمنته مسودة هوكشتاين بنشر قوات تابعة لليونيفيل على الحدود بين لبنان وسورية!!
.. ولا يراعي هذا الطلب أن سورية ولبنان هما دولتان عربيتان؛ وعليه لا يمكن لهما بقبول أن يكون هناك قوة فصل وتفتيش أجنبية بين دولتيهما!!
كان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية أن هوكشتاين جاء إلى المنطقة في جولة انتخابية يريد من خلالها إيصال رسالة للعرب وللمسلمين الأميركيين في ولاية ميشيغان المتأرجحة انتخابياً بأن إدارة بايدن والحزب الديموقراطي يسعيان لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان وهدفه من ذلك استقطاب أصواتهم لمصلحة هاريس التي تواجه منافسة ناجحة لها من قبل ترامب في هذه الولاية؛ وكان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية أيضاً أن نتنياهو لن يقدم هدية مجانية لهاريس من خلال منحها قبل بدء الانتخابات الرئاسية “صورة محررة الأسرى الإسرائيليين من أصل أميركي”؛ أضف أن نتنياهو لن يبرم صفقة غزة بوساطة إدارة الديموقراطيين قبل أيام من الانتخابات، ما يجعله كمن يقامر بعلاقة إسرائيل مع ترامب في حال فاز بالانتخابات.
حالياً نتنياهو يفضل أن يكون في إجازة حتى ما بعد ٥ نوفمبر؛ ولكنه بنفس الوقت لا يستطيع أن يهرب من أزمة إعادة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم..
هذا الملف يتفاعل إسرائيلياً أكثر مما يحدث على جبهة الأسرى؛ وبمقابل أن نتنياهو يقول إن هدفه من الحرب على حزب الله إعادة المستوطنين في الشمال إلى بيوتهم؛ فإن اتحاد مستوطنات الشمال قرر المزاودة عليه حيث حدد مؤخراً خمسة شروط لن يعودوا من دون تحقيقها لمستوطناتهم؛ أبرزها أن على إسرائيل إنشاء حزام أمني داخل لبنان بعمق ١٠ كلم؛ علماً أن نتنياهو أبلغ الأميركيين قبل أيام بأنه يعتزم إنشاء حزام أمني بعمق ٤ كلم..
واضح أن ملف عودة مستوطني الشمال بدأ يصبح ملفاً ذا صلة بالانقسام السياسي الداخلي الإسرائيلي؛ وواضح من جهة ثانية أن نتنياهو قرر أخذ مستوطني الشمال المبعدين إلى معادلة أن عليهم العودة إلى مستوطناتهم حتى قبل انتهاء الحرب؛ لأنه بموجب منطق نتنياهو يجب عليهم التعايش مع ما بقي من خطر حزب الله الذي تضاءل عليهم.
.. والواقع أن النظرية التي يريد تعميمها نتنياهو داخل إسرائيل هي التالية: الحرب مع حماس في غزة والحرب مع حزب الله في لبنان هي حرب طويلة؛ لأن أهدافها بعيدة المدى ولا تتعلق بتغير واقع إسرائيل الاستراتيجي بل بتغيير كل الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط؛ ففي غزة هدف الحرب البعيد ليس فقط القضاء على حماس وتقليل كثافة السكان الفلسطينيين في القطاع؛ بل أيضاً ضمان عدم إنشاء دولة فلسطينية من خلال توحيد الضفة والقطاع تحت سلطة فلسطينية واحدة. أما الحرب مع حزب الله فهدفها النهائي كحد أدنى اجتثاث حزب الله وحلفاء إيران من المنطقة، وكحد أعلى ضرب مشروع إيران النووي؛ وعليه فإن نتنياهو يخطط لحرب تستمر حتى نهاية هذا العقد (نهاية ٢٠٣٠)؛ وهو يعمل لأن تتكيف إسرائيل مع موجبات هذه الحرب الطويلة سواء اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، الخ..
وأبرز مقولة سوف يسعى نتنياهو لتعميمها داخل المجتمع الصهيوني خلال هذه الفترة هي أن عليهم التعايش مع نسبة أخطار أدنى من تلك التي كانت قائمة قبل ٧ أكتوبر؛ وهي أخطار لا يمكن إنهائها بالكامل إلا بعد نهاية الحرب الطويلة؛ ولذلك يدعو نتنياهو مستوطني الشمال للتعايش مع ما تبقى – ودائماً حسب وجهة نظره – مع ما تبقى من خطر حزب الله عليهم، علماً أن إعلام حرب نتنياهو يصور أن ما تبقى من خطر الحزب هو فقط ٢٠ بالمئة من قدراته العسكرية، كما قال غالانت أول أمس، مع الإشارة إلى أن قوة الرضوان لم تعد تستطيع مباغتة مستوطنات الحدود الشمالية.
قصارى القول ان الأزمة تراوح حالياً داخل سقف المعطيات التالية: ١- زيارة هوكشتاين كانت انتخابية؛ وهدفها تحسين وضع هاريس الانتخابي في ميشيغان وليس إنهاء الحرب على لبنان؛ ٢- نتنياهو في إجازة على مستوى ما يجب فعله تجاه حرب لبنان حتى ما بعد ٥ نوفمبر؛ 3- لبنانيو وعرب ميشيغان حاملي الجنسية الأميركية وضعوا بيضهم في سلة ترامب الذي وعدهم بأنه في حال فوزه سيوقف حروب الشرق الأوسط؛ أقله سيوقف القتل الإسرائيلي، وليس أنه سيحقق العدل لقضاياهم؛ 4- إيران تنتظر حتى ٢٠ يناير موعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد حتى تبدأ معه من حيث انتهى نتنياهو في سباق الرد والرد على الرد!!