خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
هناك انتظار حذر وقلق لمعرفة كيف سيبدو العالم بعد يوم ٥ نوفمبر موعد عقد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأكثر إثارة منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية.
خلال وجوده في مطار بن غوريون، سئل بنيامين نتنياهو الذي كان يصعد الطائرة قاصداً الولايات المتحدة الأميركية لإلقاء خطابه أمام الكونغرس: “كيف تنظر لزيارتك لأميركا؟؟”؛ أجاب نتنياهو “إنني ذاهب إلى بلد اللايقين”!!.
لا شك أن نتنياهو المشهود له بأنه يعرف الولايات المتحدة الأميركية، أصاب لحد بعيد في وصف حالة العم سام في هذه اللحظة؛ فلا أحد يستطيع أن يؤكد ماذا سيحصل يوم ٥ نوفمبر ولا ماذا سيحصل في اليوم التالي ل٥ نوفمبر في أميركا: إذا فازت هاريس هل سيقبل الترامبيون (نسبة لترامب) نتائج الانتخابات(؟؟)؛ أم أنهم سيثورون ضدها ويأخذون البلد لفوضى وقلاقل أهلية؟؟؛ وإذا فاز ترامب كيف سيتصرف الديموقراطيون مع الأمر، وهم الذين يعتبرون أن الترامبية ليست مجرد خصم سياسي لهم بل هي خطر وجودي عليهم وعلى الديموقراطية.
بكل حال تستعد الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة استحقاق يوم ٥ نوفمبر، وذلك بوصفه امتحاناً واختباراً لقدرة بلد العم سام على حل مشاكله الصعبة بالانتخابات وبالديموقراطية وبقبول نتائج الانتخابات وعدم الثورة عليها وضدها، الخ..
حتى هذه اللحظة ليس هناك ضمانة كلية بأن أميركا ستستطيع تجاوز امتحان ٥ نوفمبر بنجاح؛ ذلك أن معطيات الحملة الانتخابية تؤشر إلى أن هناك رغبة جامحة لدى القوتين المتنافستين على البيت الأبيض لأن توجه كل منهما ضد الآخر، عنفاً دفيناً يسكنها.
والواقع أن هذه اللحظة المطلة على يوم ٥ نوفمبر – أو ما يسمى بيوم الثلاثاء الكبير – تشكل لحظة حبس أنفاس من قبل أربع جهات العالم؛ وبمقدمها داخل الولايات المتحدة الأميركية التي ليست على ثقة كيف سيكون اليوم التالي في أميركا ذاتها بعد إقفال صناديق الاقتراع؟؟. وهنا تبرز مفارقة غريبة وهي أنه فيما العالم ينتظر منذ أكثر من عام، من واشنطن أن تقول كلمتها حول اليوم التالي في غزة التي هي أصغر كيان في العالم؛ فإن أنظار العالم في هذه اللحظة شاخصة بقلق لترى كيف سيكون شكل اليوم التالي بعد ٥ نوفمبر، داخل الولايات المتحدة ذاتها التي هي أكبر كيان ودولة في العالم!!.
..أضف أن هذه اللحظة قبيل ٥ نوفمبر هي لحظة حبس أنفاس داخل الشرق الأوسط الذي ينتظر ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد سيقول كفى لنتنياهو؛ وسيرغمه على وقف حربه ضد لبنان وغزة؟؟.. وأيضاً ما إذا كانت نتائج هذه الانتخابات ستقطع مسار تأييد البيت الأبيض لاستمرار الحرب الأوكرانية الروسية؟؟؛ وما إذا كانت ستضر بعلاقة الناتو مع أميركا لو جاء ترامب؛ أو ستعيد رسم تحالفات العالم على نحو جديد؟؟.
معظم الأسئلة التي تطرحها انتخابات يوم الثلاثاء الكبير مردها بنسبة عالية ليس فقط حاجة العالم لأميركا جديدة لديها رؤية أبعد أفقاً وثقافة من حدود عقل ترامب من جهة؛ وأوضح وأكثر شفافية من غموض مواقف وسلوك بايدن من جهة ثانية؛ بل أيضاً مردها حاجة أميركا نفسها لتغيير المسار بداخلها على أكثر من صعيد؛ لأن مسارها الحالي آخذ بالتآكل أو عدم التفاعل المجدي على غير مستوى..
ومن وجهة نظر مراقبين كثيرين فإن ظاهرة ترامب في أميركا تدلل على أن هناك أزمة في بلد العم سام داخل المؤسسات الحزبية وداخل تشكل تفكير البنى الاجتماعية الأميركية المؤلفة من خليط عرقي وثقافي وديني، الخ..
أميركا تدخل انتخابات ٥ نوفمبر وهي منقسمة ليس انتخابياً أو سياسياً، بل بنيوياً وثقافياً، وحول سؤال أية أميركا يجب أن تكون في المستقبل؛ أي إنسان: فطري أم جندري أي حدود يجب أن يعيش وراءها، الخ..؟؟.
صعوبة هذا السؤال ناتجة عن كون الإجابة عنه يتحتم أن تكون عالمية وليس فقط أميركية.. توازنات العالم الجديدة، وليس فقط قدرات أميركا الراهنة، هي من ستحدد الإجابة عن أية أميركا ستكون غداً؟؟؛.. فالإجابة تضمر احتمالات حروب تجارية وحروب عسكرية، وإعادة رسم حدود وكيانات والحاجة لانهيارات كي يمكن إعادة البناء!!.