خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
بين ٥ نوفمبر و٢٠ يناير توجد مساحة دولية مضطربة، ذلك أن عملية التسلم والتسليم الرئاسية في البيت الأبيض هذه المرة لا تتم بظروف طبيعة لا داخل الولايات المتحدة الأميركية ولا على المستوى الدولي.
هناك تخوف من أن تتحول عملية التسلم والتسليم إلى حرب منع التسلم والتسليم ما يعيق استحقاق إنتاج السلطة وفق الآليات الديموقراطية، وذلك في أقوى ديموقراطية في العالم!!
قد يكون من المغامرة المفرطة توقع مشهد أن أميركا بين يومي ٥ نوفمبر و٢٠ يناير (موعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب للبيت الأبيض)، ستشهد حرباً داخلية على السلطة بين البيض الذين يرون بأنفسهم أنهم أصل السكان وبين الآخر الأميركي الذي قدِم إليها بوصفها أرض الفرص. وعلى فرض لو حدث هذا السيناريو السيء والذي يتوقعه طيف من المراقبين، فهذا سيعني أن الولايات المتحدة الأميركية كنموذج للديموقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر، أفل شمسها على الغروب؛ وحينها لن يبقى من أميركا إلا قوتها المادية المفرطة العمياء التي نشهد راهناً نموذجاً عنها في سلاحها المستخدم حالياً من قبل إسرائيل ضد غزة ولبنان؛ أما نموذج أميركا الثري المتمثل بالديمواقراطية والفرص الاقتصادية، (الخ..)، فسوف تختفي وتتبخر وتصبح أثراً بعد عين ..
هل فعلاً يحدث ذلك؟؟.. هل ينهار نموذج أميركا العملاق كجدار من ورق وعلى نحو مفاجئ كما انهار نموذج الاتحاد السوفياتي العملاق على نحو مفاجئ وتبين أنه لم يكن إلا وهماً عاش العالم فيه لعدة عقود..
تقول عِبر التاريخ إن الامبرطوريات الكبيرة والعملاقة والتي يصعب تصديق انهيارها قبل أن يحدث انهيارها المفاجئ والفعلي؛ هي قصة وهم الانبهار بها…
والعالم اليوم هو داخل قصة انبهاره بأميركا، أرض الفرص وآخر وأقوى امبراطورية فوق المسكونة؛ وعليه فإن أحداً في العالم لا يجرؤ في هذه اللحظة على تصديق أن الإمبرطورية الأميركية آيلة للانهيار بشكل مفاجئ، رغم أن ذلك حصل مع الاتحاد السوفياتي ومع إمبراطوريات أخرى في التاريخ؛ ورغم كل ما يعتمر العم سام من مشاكل بنيوية أظهرتها وقائع الانتخابات الرئاسية الماضية والحالية؛ ولكن رغم كل ما تقدم فإن أحداً لن يصدق رؤية انهيار أميركا قبل حصول انهيارها الفعلي المفاجئ؛ ولن يصدق الرؤية التي تقول إن الإمبراطوية الأميركية قد تتفكك من داخلها.. والحق يقال إن هذه الرؤية ستظل أقرب “لمنام” يبصره النائم في نومه بأكثر مما هي حقيقة قابلة للتجسد.. ومع ذلك فإن كل السؤال حالياً – وقبل ٥ نوفمبر – يتركز على مسألة كيف ستمر الفترة بين ٥ نوفمبر و٢٠ يناير؛ وأية مفاجآت ستحمل؟؟.
أضف أن فترة الاضطراب الدولي المنتظرة بين يوم الثلاثاء الكبير غداً ويوم تسلم الرئيس المنتخب صلاحياته الرئاسية في ٢٠ يناير؛ مرشحة لأن تشهد تصعيداً عسكرياً يملأ الفراغ الدولي السياسي الذي سيسببه الحدث الانتخابي الرئاسي الأميركي المضطرب، ويحدث هذا التصعيد على كل جبهات الحرب في العالم سواء المشتعلة منها أو القابلة للاشتعال؛ وهذا ما يفسر لماذا يتخفز بوتين لتشديد حربه على أوكرانيا ويتحفز نتنياهو لقطع الأوكسجين السوري عن حزب الله في لبنان؛ ولماذا قررت إيران إغلاق مجالها الجوي يوم عقد الانتخابات الأميركية؛ ولماذا قرر نتنياهو درس احتمال القيام برد استباقي للرد الإيراني المتوقع؛ ولماذا هددت تل أبيب العراق؛ ولماذا بادرت هيئة تحرير الشام إلى تسخين خطابها الإعلامي الذي يدعو لمهاجمة حلب من جديد والسيطرة عليها؛ ولماذا تتقدم روسيا داخل خط الهجوم الأوكراني ولماذا تحشد كوريا الشمالية جيشاً إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا؟؟..
كل هذه التحركات الهجومية حول العالم هي استنفار احترازي سببه الخوف الدولي من حدوث فراغ استراتيجي أميركي عالمي مباغت خلال المساحة الممتدة من ٥ نوفمبر لغاية ٢٠ يناير!!