لبنان لا يحكم من فئة واحدة
كتب عوني الكعكي:
يعتبر لبنان من أجمل بلدان العالم… وله ميزات عديدة لا يستطيع أحد إنكارها، فهو الذي أطلق عليه لقب «سويسرا الشرق»… أما الشعب اللبناني فهو من أذكى شعوب العالم، وأكثر سكان العالم نشاطاً وانتشاراً ونجاحاً.
لكن اللبناني، وللأسف الشديد، قليل «الحظ»، إنجازاته داخل وطنه لبنان محدودة وقليلة، في حين أنه يحقق نجاحاً باهراً في شتى الأقطار التي يعيش فيها… ويتساءل المرء… لماذا ينجح اللبناني خارج وطنه ويتعثر في الداخل؟
أسوق هذه المقدمة لأقول: لقد حقّق اللبنانيون في العام 2000 فوزاً تاريخياً رائعاً على الدولة العبرية، وأجبرها على الانسحاب القسري من لبنان… ولنعترف ان إسرائيل كانت دخلت بعد اجتياح عام 1982 الى مدينة بيروت، وهي لأول مرّة في تاريخها تدخل عاصمة عربية.
اللبنانيون، والمقاومة اللبنانية فرضت على إسرائيل الانسحاب، وأجبرتها على الخروج من لبنان ذليلة مقهورة. ليحتفل اللبنانيون يومذاك بالنصر التاريخي الذي لن يُنسى، وسيظلّ قابعاً في ذاكرة الزمن.
وأنتقل بعد هذه المقدمة لأقول -مع الأسف الشديد-: إنّ «الحزب» الذي احتفل مع اللبنانيين جميعهم بالنصر… صار همّه بعد التحرير الحكم، والسيطرة على قرار الدولة.. فدخل البرلمان من بابه الواسع عبر نوابه «كتلة الوفاء للمقاومة»، ودخل الحكومات التي تشكّل في ذلك الوقت وبعده، وأملى شروطه في اختيار الوزارات، وأصرّ على وزارة الطاقة له ولحلفائه… وعرقل تشكيل حكومات عدة، وهنا لا بدّ من القول: لا يمكن لفئة واحدة من اللبنانيين أن تحكم لبنان؟
بصراحة… لقد فشل «الحزب».. وذلك للأسباب التالية:
أولاً: منذ انتهاء عهد إميل لحود المشؤوم الذي شهد اغتيال شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري، هذا الرجل الذي قدّم للبنان ما لم يقدّمه أحد:
– بنى المطار في أبهى وأفضل صورة في ذلك الوقت.
– أعاد بناء القصر الحكومي.
– أعاد بناء المدينة الرياضية.
– أنشأ محطات توليد الكهرباء في دير عمار (500 ميغاواط)، والزهراني (500 ميغاواط)، وثالثة في صور (مائة ميغاواط) ورابعة في بعلبك (مائة ميغاواط).
– وافتتح الاوتوسترادات، وحوّل الهاتف الثابت من «خردة لا تصلح حتى للبيع» الى آلة يستطيع اللبناني التحدّث بها فور رفع السماعة.
كل ما فعله الرئيس الشهيد تبخّر فور اغتياله، ولا يمكن إلاّ أن نحمّل المسؤولية كاملة للرئيس العماد الذي كان يشرف على الأجهزة الأمنية كافة: قيادة الجيش، ومديرية المخابرات، وقوى الامن الداخلي، وأمن الدولة والأمن العام.
ويكفي التذكير أن رؤساء الأجهزة الامنية المحسوبين عليه دخلوا السجن ثلاث سنوات بقرار دولي. وهذا خير دليل على تورّطهم.
بعد اغتيال الشهيد دخل لبنان حالاً من الفوضى حتى حرب تموز 2006 التي اعتبرها «الحزب» انتصاراً إلهياً، بينما الحقيقة إنه فخ إسرائيلي كي يورّطوا «الحزب» بالسلطة.. مع علمهم أن السلطة هي محرقة لأي نظام.
كذلك، نتذكر أيضاً قصة القمصان السود واحتلال بيروت في السابع من أيار، وهذه وصمة عار في تاريخ «الحزب» لا يمكن أن يتجاوزها الزمن.
عندما مُدّد للرئيس إميل لحود من أجل مصالح «الحزب»، حيث أصرّ «الحزب» على التمديد له. ماذا حصل؟ هذا كان خرقاً للدستور فاضحاً وواضحاً. كذلك بعد انتهاء عهد إميل لحود بقينا من دون رئيس لمدة سنتين، لأنّ «الحزب» لا يريد تعيين رئيس، ولولا «مؤتمر الدوحة» لما انتخب الرئيس ميشال سليمان في 25 ايار (مايو) 2008… حتى الحكومات في عهد الرئيس سليمان كانت دائماً تتعرقل بسبب إصرار «الحزب» على بعض الوزارات، وبالأخص وزارة الطاقة.
وعند انتهاء عهد الرئيس سليمان بقيت الرئاسة من دون رئيس مدة طويلة حيث كان «الحزب» يردّد: لا رئيس إلاّ ميشال عون…
وصل ميشال عون الى الحكم، وكان أسوأ رئيس جمهورية في تاريخ لبنان، ويكفي أنه في عهده تمّ القضاء على القطاع المصرفي والاقتصادي… ويكفي أن نذكر من إنجازات عهد ميشال عون أن خسائر قطاع الكهرباء وصلت الى 65 مليار دولار، وذلك بفضل صهره الفاشل في الانتخابات النيابية مرتين والذي عدّل قانون الانتخابات النيابية من أجله وعلى قياسه.
ذهب ميشال عون الى بيته هذه المرّة من دون «بيجاما»، ولكن لا يزال القصر الجمهوري من دون رئيس… فلماذا؟
لأنّ «الحزب» يصرّ على اسم رئيس لا يقبل غيره… وبانتظار أن يأتي الفرج يعيش لبنان من دون رئيس.
بعد هذا العرض السريع لا بدّ من القول: إنّ لبنان لا يُـحكم من فئة واحدة، بل يحكم بتفاهم وحوار بين جميع مواطنيه من مختلف الطوائف.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*