خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
سوف تحتاج الولايات المتحدة الأميركية ومعها كل العالم، للحظة أخذ نفس عميق والتمعن بإمكانية أن الوقت الآن هو للقيام بمهمة تغيير كل المسار الذي سار عليه بايدن والديموقراطيون، وأدى إلى حروب ومجازر والتهديد بحدوث فوضى أميركية محتملة..
لا يعني ما تقدم أن ترامب يملك رؤية بديلة أو بصيرة أعمق، أو يملك مزايا تجعله أفضل من بايدن؛ بل يعني تسليط الضوء على فكرة تقول إنه من منظار العالم والأميركي؛ فإن كل أهمية ترامب في هذه اللحظة تكمن في أنه مختلف عن بايدن ولا يشبهه وسيفعل عكس ما فعله؛ فالأخير – أي بايدن – ترسخت صورته في حرب غزة على أنه مؤيد أعمى لإسرائيل وذو شخصية ضعيفة مقابل نتنياهو، فيما ترامب بحسب كل التوقعات، سيكون أيضاً مؤيداً أعمى لإسرائيل، ولكنه حسب كل الانطباعات عن شخصيته؛ سيكون قوياً بوجه نتنياهو؛ ولا يقلل من صورة قوته هذه بمقابل نتنياهو حقيقة أن الأخير يعتبره أفضل من بايدن لإسرائيل.
.. ترامب بمعناه الآنف إنما يكمل صورة صارت نمطية عن رؤوساء أميركا الجدد داخل الحياة السياسية الأميركية؛ ومفادها أنه منذ بوش الإبن فإن كل رئيس يدخل البيت الأبيض تكون كل أهميته تقع في أن المطلوب منه أن يفعل عكس ما فعله سلفه الذي أعطى مثلاً فاشلاً. حتى بايدن حينما خلف ترامب؛ كان كل المطلوب منه أن لا يحكم على طريقة ترامب الذي خرب كل شيء؛ واليوم كل المطلوب من ترامب هو أن لا يحكم على طريقة بايدن الذي نشر الحروب في كل مكان وأضعف الاقتصاد ألأميركي، الخ..
لقد حقق ترامب فوزاً كامل الأوصاف؛ فهو رئيس لأميركا بفارق أصوات واضح؛ ولديه أغلبية بمجلسي النواب والشيوخ، ما يعني أن قرار التشريع والتنفيذ بات بين يديه. والسؤال اليوم هو إلى أين سيأخذ ترامب الإمبراطور المتوج ليس فقط الولايات المتحدة الأميركية، بل كل العالم؟.
.. السؤال إلى أين سيأخذ أوروبا التي لديها وجهة نظر مغايرة لوجهة نظره بخصوص الحرب الأوكرانية التي هي بالواقع حرب أوروبية؟؟.
.. إلى أين سيأخذ الناتو الذي لدى دوله رغبة في تقويته، بينما لدى ترامب رغبة في تفكيكه؛ ذلك أن ترامب لم يعد يريد أن تقوم أميركا بدور الجندي الذي يحمي الغرب أقله مجاناً؛ فيما الغرب يريد أن يستمر بالنوم وراء الحماية الأميركية المجانية له.
زد على ذلك أن الناتو يعتبر أن روسيا هي عدو تقليدي للغرب؛ ويؤمن بعقيدة قتال بايدن التي تشيطن بوتين؛ فيما يرى ترامب أن بوتين صديق حميم له؛ ولا يرى أن روسيا بالضرورة هي عدوة للولايات المتحدة الأميركية.
الصورة العالمية لترامب الظاهرة والمسطحة تفيد بأنه قادم لينهي الحرب في أوكرانيا؛ ولينهي حرب غزة وحرب لبنان ويقطع احتمال توسع الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط؛ فهو سيقيد إيران ولكنه لا يريد تدمير إيران وفقاً لرغبة تل أبيب.
.. ولا أحد يخطئ التوقع بأنه سيستمر يدعم ظلم إسرائيل للفلسطينيين، وبأنه سيساعد نتنياهو؛ ولكنه لن ينقاد منه؛ ولن يكون ذيلاً له في الشرق الأوسط، كما كان بايدن وبلينكن.. وهو – أي ترامب – في آخر مشواره (كما ينقل عنه) يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام!!
والواقع أن هناك إشكالية تطرح نفسها بخصوص نقطة أن ترامب يرغب بجني جائزة نويل للسلام. ومبعث الإشكالية هنا هو وجود تضارب كلي على المسرح السياسي العالمي بين الشخوص التي تقوده.. ومن الأمثلة على ذلك أن نتنياهو يريد الحصول على لقب آلهة الحرب حتي يستحق نيل لقب ملك إسرائيل؛ فيما ترامب يريد ارتداء ثوب آلهة السلام حتى يحرز لقب الحاصل على جائزة نوبل للسلام؛ أما زيلنسكي فهو يريد تتويجه كقائد لثورة المليون شهيد الأوكرانية ضد الاحتلال الروسي؛ فيما أبي أحمد في أثيوبيا يطرح نفسه محرراً لبلده الحبيس (ليس له منفذ على البحر) وموحد أفريقيا بالقوة؛ ويليه رئيس كوريا الشمالية الذي أرسل جيشاً إلى روسيا ليصنع تماساً حربياً له مع الامبريالية الغربية والأوروبية؛ الخ..
وكل هذا المشهد يشي ظاهرياً وعلى نحو كوميدي، بأن ترامب أصبح له داخل الواقع السياسي الدولي المتعفن؛ دور “المطهر” داخل الكوميديا الإلهية لدانتي؛ فهو وحده يؤيد السلام والبحث عن مخارج من خطيئة الاحتراب؛ بمقابل عالم مملوء بشخوص وزعماء يريدون الحرب وإشباع نزواتهم وفرض أجنداتهم بالقوة..
طبعاً طريق ترامب إلى جائزة نوبل صعب وربما مستحيل؛ رغم أنه رجل يرفع شعار “السلام القوي”: أي أن الولايات المتحدة الأميركية بحسب نظرته، تستطيع فرض السلام، ولكن ليس بالضرورة السلام العادل؛ وتستطيع بما تملك من قوة ونفوذ، منع الحروب، بدل أن تسعر الحروب، ولكن الهدف من ذلك ليس تحقيق العدالة؛ بل خدمة سلاسة تمرير المصالح.
مشكلة ترامب وربما ميزته المؤقتة في آن معاً؛ تكمن في أنه رجل صفقات؛ بمعنى أنه يؤمن بشكل أعمى بالمقايضة، لدرجة تجعله أنه مستعد لمقايضة إنسان بدولاب سيارة!(!!)؛ ومقايضة قضية شعب بشحنة نفط..
.. وخلاصة القول هنا هي أن الصفقة التي يؤمن بها ترامب هي حرب بمدافع لا تطلق النار؛ ولكنها تؤدي إلى زهق طموحات وسعادة أجيال؛ وذلك بدل أن تسيل بسببها بحور من الدماء كما حصل على عهد بايدن.
في عهد الإمبراطور الأبيض ترامب يجب أن يتذكر العالم أن هذا الرئيس الذي سيدخل في ٢٠ يناير إلى البيت الأبيض مدعوماً بنياشين نيله الأغلبية في غرفتي الكونغرس؛ هو آخر إمبراطور في العالم؛ وهو ربما يكون آخر قمة في جبل العصر الأميركي.