خاص الهديل…
منذ السابع والعشرين من تموز الماضي، ومع التصعيد العسكري الإسرائيلي على لبنان، شهد البلد موجة نزوح غير مسبوقة، وهي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه المعاصر. فقد أُجبر حوالي مليون ونصف شخص على ترك بيوتهم وممتلكاتهم، وغادروا مناطقهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر، وهذا ما شكل ضغطاً هائلا على البنية التحتية في مختلف المناطق اللبنانية. هذا العدد الكبير من النازحين، الذين انتشروا في مختلف المناطق اللبنانية، شكّل تحدياً إنسانياً وخدمياً هائلاً، وبالطبع هذا يحتاج إلى استجابة سريعة وفعالة من جميع الأطراف.
العاصمة بيروت التي طالما كانت ملاذاً آمناً لكل من يفر من أتون الحروب والدمار، استقبلت آلاف العائلات التي هربت من الموت. ومع ذلك، لم تكن رياح النزوح في العاصمة بيروت دائماً كما يشتهي قاصدوها، فقد جاء هؤلاء النازحون في ظروف قاسية، وضغط هائل على موارد المدينة. إلا أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها المختلفة، وبمشاركة جميع أطياف المجتمع، لم تتوانَ عن تقديم يد العون لهؤلاء القادمين الجدد، حيث تم فتح مراكز إيواء في المدارس والمرافق العامة، أو كما حصل مؤخراً وهيئت المدينة الرياضية كمركز للإيواء في سبيل عدم ترك اي نازح بدون مأوى.
لكن، وفي خضم هذه الأزمة الإنسانية، لا يمكننا أن نغفل عن حقيقة أن هناك فئات من النازحين لم تتمكن من الوصول إلى مراكز الإيواء الرسمية؛ فهؤلاء الذين اضطروا للجوء إلى أقاربهم أو استئجار منازل في مناطق مثل بيروت وطرابلس وعكار وغيرها، يعانون من أوضاع معيشية بالغة الصعوبة. فهم يعيشون في ظروف قاسية، بعيداً عن أي شكل من أشكال المساعدات الرسمية أو غير الرسمية. هؤلاء النازحون لا تطرق أبوابهم أي جهة مساعدة، في حين أن الشتاء يقترب، والبرد القارس سيكون عائقاً إضافياً أمام من هم في المناطق الجبلية.
لا شك أن الدولة اللبنانية، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، قد بذلت جهوداً كبيرة لتقديم الدعم الإغاثي. فقد أرسلت العديد من الدول العربية والأجنبية مثل الإمارات وقطر والسعودية والأردن وتركيا ومصر وباكستان وروسيا مساعدات طبية وإغاثية وغذائية لإغاثة لبنان في محنته. ومع بداية الشهر العاشر من عام 2024، وضعت لجنة الطوارئ الحكومية آلية توزيع للمساعدات، تعتمد على الشفافية والإدارة السليمة من خلال توزيعها عبر المحافظات، بحيث يتم منح الأولوية للمناطق الأكثر تضرراً.
إلا أنه لا بد من التنويه هنا إلى أن هذا النظام، رغم كفاءته في بعض النواحي، قد يعاني من غياب آلية شاملة لمساعدة الفئات التي لا تتوافر لديها الوسائل للوصول إلى هذه المساعدات؛ وعليه فهناك فئات خاصة، مثل كبار السن أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يواجهون صعوبة في استخدام المنصات الإلكترونية للتسجيل والحصول على المساعدات. قد يكون هناك أيضا الكثير من العائلات التي لا تمتلك الهواتف الذكية أو الإنترنت، مما يحرمهم من فرصة الاستفادة من المساعدات التي أُعدت لهم.
من هنا، نتوجه إلى الدولة اللبنانية، وبالتحديد لجنة الطوارئ الحكومية، ولفت نظرها للعمل على توسيع نطاق آلية توزيع المساعدات لتشمل هؤلاء الفئات الأكثر حاجة. بحيث يمكن إنشاء مراكز تسجيل خاصة في البلديات أو لدى المخاتير أو عبر مراكز جديدة تُنشئها اللجنة، ليتمكن الجميع، بما في ذلك كبار السن وغيرهم من الفئات الضعيفة، من التسجيل بسهولة والحصول على الدعم الذي يحتاجونه.
خلاصة القول، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة اللبنانية في استجابة الأزمة، ولكن في الوقت ذاته يجب ضمان أن لا يُترك أي نازح دون دعم، خصوصاً أولئك الذين يعانون في صمت بعيداً عن مراكز الإيواء الرسمية. ومن هنا، يبقى الأمل في أن يتم تطوير آليات استجابة جديدة تضمن وصول المساعدات لجميع النازحين في كل المناطق اللبنانية، وأن لا نغفل عن الفئات الأكثر ضعفاً وحاجة