*حماية الاستثمارات العربية ضرورة لإعادة لبنان الى خارطة الازدهار والاستقرار: خلف الحبتور نموذجاً*
خلف أحمد الحبتور، والاسم يكفي دون ألقاب أو تقديمات أو تشريفات، اسم ارتبط بالنجاح والتمّيز، يحمل في وجدانه قصةً من الحب العميق والتعلّق بلبنان، ذلك البلد الصغير الذي آمن به واستثمر فيه بأملٍ كبير، والذي عاش فيه وعائلته فترة من الزمن وكان محطة سفره الدائم لتمضية الاجازة فيه في فترات العزّ والازدهار والاستقرار.
بفضل رؤيته الثاقبة وشغفه الدائم في العمل، أسّس الحبتور العشرات من الاستثمارات الناجحة في كبريات الدول وخصّ لبنان باستثماراتٍ بارزة من بينها فنادق ومشاريع سياحية ضخمة حملت اسمه من الحبتور لاند في منطقة الجمهور في بعبدا الى فندقيّ الهيلتون بيروت حبتور غراند ومتروبوليتان بالاس بيروت فيما عُرف بالحبتور سيتي في منطقة سنّ الفيل شرق بيروت.
تمكّنت استثمارات الحبتور في لبنان، والتي جاوزت المليار دولار اميركي، من جذب السياح واحتضان أبرز النشاطات الثقافية والفنية وساهمت في دعم الاقتصاد اللبناني وتوفير فرص العمل لمئات العائلات اللبنانية في أوقات عصيبة.
ولكن على الرغم من كل ذلك، لم تُنصف ظروف الحرب وعدم الاستقرار الحبتور، فأتت حرب تموز ٢٠٠٦ لتُجبره على اغلاق مشروع الحبتور لاند بعد أشهر قليلة على افتتاحه وهو مشروع سياحي يمتدّ على مساحة تفوق المائة ألف متر مربّع وبلغت قيمة الاستثمار فيه أكثر من مائة مليون دولار أميركي.
ومع انفجار العصر في ٤ آب ٢٠٢٠ اضطُرّ الحبتور إلى إغلاق فندق الميتروبوليتان الذي أُصيب بأضرار جسيمة، الاّ أنه ورغم احتجاز عشرات ملايين الدولارات لمجموعة الحبتور في المصارف اللبنانية، أصرّ بخصال العربي النبيل المحبّ للبنان على إطلاق ورشة لترميم الفندق بتكلفة بلغت ملايين الدولارات وأعاد افتتاحه مطلع العام ٢٠٢٣ مُصرحاً أنه يعرف مسبقاً أنه لن يجني المال والارباح وأنه يكفيه أن هذا الفندق سيوفّر مئات فُرص العمل للشبان اللبنانيين.
وفي كلّ مرّة كان خلف الحبتور يُصرّ على الابقاء على استثماراته في لبنان، كانت الظروف تُعاكسه فأتت الحرب الاسرائيلية على غزة التي توسّعت لتطال لبنان لتُرغمه على اتخاذ القرارٍ الصعب بإقفال فندقيّ الهيلتون حبتور غراند والمتروبوليتان بالاس ليس لتفادي الخسارة المادية التي لم يكترث لها يوماً بل حرصاً على سلامة هذه المنشآت السياحية والعاملين فيها بعد حملات التحريض والتهديد والتخوين التي تعرّض لها وعائلته بشكلٍ علني وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون أن تتحرّك السلطات اللبنانية لوضع حدٍّ لها.
لا تقتصر معاناة الحبتور في لبنان على اضطراره الى اقفال فنادقه، بل شكّلت أمواله المحجوزة في المصارف اللبنانية والبالغة أكثر من خمسين مليون دولار أميركي، واحدة من أكثر الاحباطات التي واجهته في لبنان خاصة أن هذه الاموال ناتجة عن بيوعات عقارية قامت بها مجموعة الحبتور في الامارات لوحدات عقارية تُعدّ من الاكثر فخامةً وتميّزاً في دبيّ لصالح مشترين لبنانيين كان من بينهم رسميّون يشغلون مواقع متقّدمة في الدولة اللبنانية طمأنوا الحبتور الى متانة الوضع المصرفي في لبنان من أجل اقناعه بإتمام هذه البيوعات وقبض الثمن في لبنان، فإذ ينتهي به الامر يدفع ثمن ثقته بهم التي لم يكونوا على قدرها، في حين تمكّن بعض من صغار النفوس منهم من اخراج أمواله من المصارف بهذه الطريقة على حساب ضياع حقوقه.
يظلّ الحبتور، رغم ذلك، متمسكًا بحلمه تجاه لبنان بلد الارز وفيروز التي يستمع الى أغانيها كلّ يوم، ويتمنى أن تتحرك الدولة اللبنانية بجدية لإعادة حقوقه وأمواله المحتجزة، وهو أرسل بشكلٍ رسمي الى الحكومة اللبنانية كتاباً يدعوها فيه الى التحرّك والعمل على تسوية حبّية قبل اضطراره الى اللجوء الى القضاء الدولي لاستعادة أمواله المحجوزة، خاصة مع وجود اتفاقية تُلزم لبنان بحماية الاستثمارات العربية.
وبعيداً عن الاعتبار القانوني التي تكرسه تلك الاتفاقية، فإنه من الحكمة القول ان حماية الاستثمارات العربية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، ليست فقط قضية إنصاف للمستثمرين العرب وفي مقدّمهم خلف الحبتور، بل ضرورة استراتيجية للبنان إذا أراد إعادة الإعمار والنهوض بعد انتهاء الحرب. فاستقطاب الاستثمارات العربية وتوفير مناخٍ آمن وداعم لها قد يكون ضرورياً لمنح لبنان فرصة أخيرة لبدء مرحلة جديدة من النمو، خاصة في ظل تراجع الدعم الدولي والاهتمام العربي وزيادة التضخّم والتخلّف عن سداد الديون وادراج لبنان في القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي الدولية fatf. وعليه يحتاج لبنان اليوم إلى موقف واضح وإجراءات سريعة لتحرير أموال المستثمرين العرب التي تحتجزها المصارف اللبنانية، وتأكيد حقهم في استرجاع أموالهم وضمان سلامة وأمن استثماراتهم.
ما يواجهه خلف الحبتور اليوم ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو نموذج عن معاناة المستثمرين العرب الذين جاؤوا إلى لبنان مؤمنين بتمتّع لبنان بالميزات اللازمة لنموّ استثماراتهم وازدهارها، ما يوجب على الدولة اللبنانية التحرك فورًا لحماية استثماراته، ليس فقط لأجل الحبتور كشخص، بل لضمان بقاء البيئة الاستثمارية في لبنان جذابة وآمنة لكل من يرغب في المساهمة ببناء هذا البلد بعد انتهاء الحرب.
الحبتور، بقدر ما يشعر بالألم من الوضع الذي وصل اليه لبنان والحواجز التي توضع أمامه، إلا أنك في كلّ زيارة الى مجلسه لا يُمكنك الا أن تجده يعجّ باللبنانيين من معارفه وأصدقائه وكبار المدراء في مجموعته والعاملين فيها، وتجد لبنان حاضراً دائماً في قلبه ووجدانه وكلامه، هو الذي ما زال يؤمن بلبنان وشعبه، ويأمل أن يكون له دور في نهضته من جديد.
يبقى أنه من واجب السلطة اللبنانية حماية حقوق الحبتور وحقوق كل مستثمر عربي من أجل اعادة الثقة إليهم، خاصة ان ذلك سيُشكّل خطوةً أولى لاستعادة الثقة العربية والدولية بلبنان لمساعدته في العودة الى خريطة الاستقرار والازدهار.