الهديل

خاص الهديل: مشاهد عن انفصام المجتمع الإسرائيلي: مع نتنياهو وضد نتنياهو؟!. 

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

لا يوجد كلام رسمي إسرائيلي عن أن نتنياهو يعتبر أن حربه ضد لبنان استنفذت أغراضها، وأنه حان وقت إيقافها؛ ولكن مصادر قريبة منه تنقل عنه منذ أسبوع هذه الأجواء؛ فيما نتنياهو لا يكذبها ولا يؤكدها؛ مما أشاع انطباعاً قوياً بأن “بيبي” قد يكون قد بدأ بخصوص حربه على لبنان يمارس نفس المناورات التي اتبعها، ويستمر باتباعها في غزة؛ بمعنى أنه يسرب عن لسانه بأنه ذاهب لعقد اتفاق مع حماس حول الرهائن، ولكن بعد ساعات أو ايام، ينفي ذلك، ويضع قيوداً على فريق التفاوض الإسرائيلي مع حماس.. 

والواقع أن غموض أهداف نتنياهو واعوجاج سلوكه ليس هو إلا جزء من المشهد العام السياسي والاجتماعي الذي يسود إسرائيل؛ والذي يتسم بأنه غير طبيعي سواء على مستوى سلوك حكومة نتنياهو؛ أو على مستوى كيفية تفاعل الرأي العام الإسرائيلي مع وقائع حربي غزة ولبنان؛ أو حتى على مستوى انتظام الحياة بشكل عام داخل إسرائيل!!.

منذ عدة أيام وجانب من إسرائيل ينشغل بمتابعة قضية التحقيقات التي يجريها الشاباك بقضية التسريبات التي خرجت من مكتب نتنياهو؛ والتي ثبت أن المسرب هو مستشار نتنياهو الأمني الذي لم تكتمل أوراق توظيفه نتيجة اعتراضات الشاباك عليه؛ ولكن مع ذلك ثبته في موقعه كمستشار له ولكن من دون توثيق ذلك رسمياً. الآن يجري التحقيق بأمر محدد وهو هل المستشار سرب الوثائق بأمر من نتنياهو؟؟. 

بنفس الوقت الذي يثار فيها بإسرائيل ما بات يعرف بفضيحة تسريبات مكتب نتنياهو؛ جرى استطلاع للرأي بخصوص سؤال: هل تؤيد نتنياهو كرئيس للحكومة، ومن هو الأنسب لقيادة إسرائيل؟؟.

جاءت نتيجة الاستطلاعات لصالح نتنياهو، رغم أنه هو ذاته المدان بأنه – على الأغلب – يقف وراء فعلة تسريب الوثائق من مكتبه؛ وهي فعلة تهدف إلى تزويرها – أي هذه الوثائق – ونشرها في الخارج بغية تسهيل نشرها داخل إسرائيل حتى يؤدي ذلك إلى تضليل الرأي العام الإسرائيلي ومده بمعلومات مغلوطة تحت عنوان أنها وثائق رسمية تتضمن معلومات مؤكدة. وكل الهدف من هذه العملية هو إقناع الرأي العام الإسرائيلي عن طريق التحايل عليه، بأن طرح نتنياهو من الحرب في غزة الذي يدعو لاستمرارها هو الصحيح؛ فيما طرح الجيش والشاباك والموساد الداعي لوقف الحرب غير صحيح!!..

.. والفكرة المذهلة هنا هي أنه لا يوجد تفسير منطقي – أقله حتى الآن – لظاهرة أنه رغم أن نتنياهو شبه مدان بالكذب والتزوير؛ إلا أنه بنفس الوقت يحصد لصالحه النسبة الأعلى في الاستطلاعات التي تطرح على الجمهور الإسرائيلي سؤالاً عن من هو الأنسب لقيادة إسرائيل!!؟. 

السؤال الاستطرادي هنا هو هل المجتمع في إسرائيل دخل حالة من الفصام المرضي؛ ومناسبة طرح هذا السؤال هو تعاظم ظاهرة النتائج غير المقنعة التي تخرج بها استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي: من جهة تظهر الاستطلاعات أن الإسرائيليين يعطون أغلبية أصواتهم لأحزاب من خارج إئتلاف حكومة نتنياهو؛ ومعادية لنتنياهو؛ ولكنها في الوقت عينه تسمي نتنياهو كمفضل لديها لقيادة إسرائيل؟!.. ومن جهة أخرى تتهم أغلبية المستطلعين نتنياهو بالفساد السياسي؛ وبنفس الوقت تسميه هذه الاغلبية – أو الجزء الأكبر منها – بأنه الأنسب لقيادة إسرائيل!!.

وهذا الجو السوريالي الذي يسود المجتمع الإسرائيلي، وجد تعبيره أيضاً برد فعله على جملة أحداث تحصل منذ فترة داخل إسرائيل؛ مثلاً ليلة أمس نقلت قنوات الإعلام الاسرائيلية فيديو لإسرائيليين عائدين من هولندا التي شهدت أحداث العنف بين مؤيدين للقضية الفلسطينيين وبين إسرائيليين. وفور وصول هؤلاء إلى باحة مطار بن غوريون أخذوا ينشدون أغنية هذه بعض كلماتها: سننكح الفلسطينيين.. انظروا أطفال غزة بلا علم.. سنستمر بذلك!!!..

الإعلام في إسرائيل ينقل هذه المشاهد من مطار بن غوريون بوصفها رد فعل طبيعي من الإسرائيليين العائدين من حوادث هولندا؛ وأكثر من ذلك يسأل هذا الإعلام عن سبب تعاظم اللاسامية منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣!؟.

بالمناسبة أمس كان ذكرى اليوم ال٤٠٠ لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.. وهنا يمكن أيضاً رصد حالة انفصام مجتمعي مرضي في إسرائيل؛ ومفاده أنه خلال الأشهر الأولى من الحرب كان أهالي الأسرى لدى حماس يرفعون الصوت كل ليلة مطالبين نتنياهو بإبرام صفقة للإفراج عنهم؛ ولكن في الآونة الأخيرة لم يعد أهالي الأسرى ومؤيدوهم على ذات حماسهم!!. هل نجح نتنياهو في جعلهم يحبطون ويستسلمون للأمر الواقع الذي يمليه عليهم “بيبي”(؟؟) أم أنهم باتوا يعيشون خليطاً مرضياً من المشاعر الإنسانية والسياسية!!؟.

وفي ذات المشهد؛ قال أول أمس غالانت المقال، لذوي الأسرى أن أهداف حرب غزة تحققت، وأن نتنياهو يستمر بالحرب هناك لأسباب سياسية؛ صفق ذوي الأسرى لكلام غالانت، ولكن الأخير لا يجد الآن من يدعمه عملياً ضد قرار نتنياهو بإقالته؛ ولذلك اختار (أي غالانت) أن يذهب للتقاعد من الحياة السياسية.. قبل نحو ثلاثة أعوام أقال نتنياهو غالانت، ولكنه اضطر بعد أيام تحت ضغط الشارع إلى إعادته لمنصبه؛ بينما اليوم لا يوجد شارع مستعد لأن يبذل جهداً لصالح غالانت؛ ذلك أن الشارع الإسرائيلي ليس منقسماً سياسياً مع نتنياهو أو ضده؛ بل هو “منفصم مرضياً” بين أنه مع نتنياهو كملك لإسرائيل وعليهم، وأنه ضد نتنياهو كمفسد يزور حياتهم السياسية!!.

السؤال المحير هو عن واقعية ما يحدث للمجتمع الإسرائيلي “المنقسم بمعنى الانفصام المرضي” وليس بمعنى “الانقسام السياسي الطبيعي”!!.

Exit mobile version