الهديل

هل سقط مشروع ولاية الفقيه؟ [الحلقة الأولى]

هل سقط مشروع ولاية الفقيه؟

[الحلقة الأولى]

كتب عوني الكعكي:

ذكرت صحيفة «The telegraph» البريطانية أن كاتب المقال تلقى رسالة من أحد أصدقائه في طهران، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، جاء فيها: «نحن على وشك النزول الى الشوارع لتوزيع الحلوى».
وبحسب الصحيفة، نعم يحتفل الشعب الإيراني بأغلبية ساحقة بعودة ترامب الى البيت الأبيض.
قد يصدم هذا القرّاء. لكن التفسير بسيط… لقد أدى انتخاب ترامب الى إخفاق نظام آية الله في إيران، وهو النظام الذي كان الشعب الإيراني يائساً للإطاحة به، لعقود من الزمان. إنّ انتخاب ترامب هو أسوأ سيناريو ممكن للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والحرس الثوري. لقد كانت عبارة «إيران كانت مفلسة عندما كنت في السلطة» من بين العبارات المفضلة التي يردّدها ترامب في حملته الانتخابية، وهي تعطي إشارة واضحة الى أن إحدى خطواته الأولى في السياسة الخارجية ستكون إحياء سياسة الضغط الاقتصادي «على النظام».
إنّ ولاية الفقيه مصطلح فقهي قديم في الفقه الشيعي الاثني عشري منذ بدايات الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثني عشرية المهدي المنتظر. ويغلب على الفقه الشيعي الاثني عشرية التقليدي الطابع الفردي. ولم تكن مسألة الحكم والدولة من المسائل الخاضعة للبحث إلا بقدر ارتباطها بالفرد. وجوهر النظرية الإمامية يعتمد على القول بعدم جواز خلوّ الارض من قائم لله بالحجة (الإمام) ويجب آن يكون معصوماً.
ويعتبر «نظام الملالي» في إيران أعلى مراحل الإخضاع السياسي للدين في العصر الحديث. وكانت البداية إمساك الإمام الخميني بالثورة الديموقراطية المتعددة القوى على الشاه، ثم تأسيسه حكم رجال الدين تحت عنوان الجمهورية الإسلامية. وكلنا يعرف كيف جيء بالخميني من منفاه الى باريس ثم الى طهران محمّلاً بمشروع التشييع الذي كان يهدف الى نشر المذهب الشيعي في المنطقة كلها، محوّلاً أهل السنّة الى شيعة يأتمرون بأمر ولاية الفقيه والإمام الخميني… وكانت الخطوة المفصلية بين نظرية ولاية الفقيه العامة لا الخاصة بحسب التقليد، في خلاف واسع مع التيار الواسع لعلماء الشيعة الكبار آية الله النائيني والإمام محمد شمس الدين وعلي مطهري نجل آية الله مرتضى مطهري وغيرهم.
وهكذا أصبحت كل سلطات «الحكم الإلهي» في يد شخص واحد هو الإمام الخميني الذي ورثه المرشد الأعلى علي خامنئي، وهكذا أحدث «نظام الملالي» أكبر تأثير على الأحداث في الشرق الأوسط من خلال «تصدير الثورة» عبر ميليشيات مذهبية مسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
وبالعودة الى سيطرة «نظام الملالي» على إيران (في الداخل) والعراق وسوريا ولبنان واليمن يمكن القول: إنّ هذا النظام أدى – على ما يبدو – الى تدمير إيران نفسها ومن ثمّ تدمير كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ولنبدأ أولاً بالعراق… ونلقي نظرة ولو سريعة كيف كان الشعب العراقي يعيش أيام صدّام حسين، وكيف يعيش اليوم في ظلّ حكم ما يسمّى بالممانعة والمقاومة. ويكفي أن نقول إنّ أغنى بلد نفطي لا يستطيع أن يحصل شعبه على كهرباء.
يا عالم… يا هو… مجاهل أفريقيا وصلت إليها الكهرباء… وفي بغداد عاصمة الرشيد.. لا كهرباء إلاّ ما تيسّر.
ويهمني هنا القول إنه عندما عاد الخميني الى طهران، ما عاد ليكون حاكماً يخلف الشاه فقط، بل عاد حاكماً يحمل مشروعاً ذا مضمون ديني وثقافي وسياسي… من أجل تحقيق أهداف متعددة.
لقد اتضح أن أبرز ملامح هذا المشروع هو أن قيادة دينية تمثلت في «ملالي إيران»، وأنها سخّرت كل إمكانيات إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والبشرية والإسلامية، من أجل تحقيق هذا المشروع، وأن المشروع جعل أول أهدافه نشر التشيّع وتحويل هذه الأمة (الإسلامية) الى أمة شيعية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تمّ التواصل مع الطوائف الشيعية الموجودة في بعض البلدان العربية والإسلامية، وإمدادها بالمال والإعلام والتوجيه والخبرات والدعاة… وتحريضها على الدعوة الى التشيّع في محيطها السنّي، ممّا ولد تصادماً بين طرفين من الأمة في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية.
وقد أدى هذا التصادم الى الاقتتال وإسالة الدماء في بعض الأماكن، كما حدث في العراق وسوريا واليمن، مع أن الأمة أحوج ما تكون الى الوحدة لمواجهة الخطر الأكبر الذي يقوده المشروع الغربي ـ الصهيوني.
كما حاول «نظام الملالي» استغلال القضية الفلسطينية: فلقد قال الخميني في أحد مجالسه الخاصة: «إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينية، فلا قيمة لسياستنا الخارجية».
لذلك، أقام «ملالي إيران» علاقات مع معظم الفصائل الفلسطينية تطبيقاً لكلمته وأمدوها بالمال والسلاح من أجل أن يكون لهم يد في القضية الفلسطينية. لأنهم يعتقدون أن هذه اليد في القضية الفلسطينية ستكون مدخلاً لتجميل «مشروع ملالي إيران» من جهة، ومدخلاً لقلوب المسلمين من أجل «نشر التشيّع» من جهة ثانية،
وَلأعُد الى العراق الذي بدأت بإجراء مقارنة بين ما كان هذا البلد عليه قبل انضمامه الى محور «الممانعة». وبعد أن انغمس في هذا المحور من رأسه حتى أخمص قدميه، قلت: لقد وضع «ملالي إيران» عيونه على العراق منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة الإيرانية، لأنّ فيها «المقدّسات الشيعية» من جهة، ولأنّ فيها أكبر طائفة شيعية في العالم العربي من جهة ثانية، من أجل هذا، قامت حرب ضروس بين نظام «ملالي إيران» ونظام صدّام حسين استمرت ثماني سنوات دمّرت البلدين والجيشين وكبّدتهما خسائر فادحة جداً.
ثم تعاون «ملالي إيران» مع أميركا أثناء حرب التحالف الدولي لإخراج صدّام حسين من الكويت عام 1991، ومرّة أخرى تعاونوا مع أميركا أثناء احتلالها العراق عام 2003، ودفعوا كل قيادات الشيعة الدينية والسياسية من أجل إنجاح هذا الاحتلال.
ونجحت أميركا في احتلال العراق خلال ثلاثة أسابيع فقط، وهي فترة قياسية، ثم تعاونت القيادات الشيعية الدينية والسياسية في العراق مع المحتل، وتسلمت قيادة العراق، واستأثرت الطائفة الشيعية بمعظم المناصب السياسية والعسكرية والأمنية في عهد نوري المالكي. وها هو العراق اليوم في دائرة التقسيم المضمر، فهناك دولة كردية في الشمال، وطائفة سنّية مضطهدة في الوسط ودولة شيعية في الجنوب.
وإلى اللقاء غداً في الحلقة الثانية.

Exit mobile version