في حادثة مأساوية تخللت يوم السبت الماضي في العاصمة بيروت، نشب حريق هائل في منطقة الحمراء، تحديداً في أحد مولّدات الكهرباء التي تحتوي على خزانات للمازوت. الحريق الذي نشب هناك سرعان ما انتشر ليشمل عشرات السيارات المركونة في المكان، وكذلك الأبنية المجاورة، ما أدى إلى انفجار بعضها واحتراق آخر. ومع تصاعد الدخان الكثيف، كانت هناك حالات اختناق عدة، ما جعل هذا الحادث لا يكون مجرد أضرار مادية بل كارثة حقيقية كانت تهدد سلامة الأرواح.
لكن، وبفضل القدرة الإلهية أولاً، ثم تدخل رجال الدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت، تمكّن رجال الإطفاء من السيطرة على النيران وإخمادها قبل أن تتوسع أكثر أو تصل إلى نقاط أوسع في قلب بيروت. ورغم الأضرار التي لحقت بنحو 25 سيارة، إضافة إلى الأبنية المحيطة، إلا أن الحادث كان يمكن أن يمر إلى أبعد من ذلك بكثير لولا هذا التدخل السريع والفعال.
لكن، بعيداً عن عواقب الحريق ذاته، فإن ما يثير القلق هو ما كشفه هذا الحادث عن حجم الإهمال الكبير والتخبط في التعامل مع المشكلات اليومية في المدينة. هذا الحريق لم يكن مجرد “حادث عابر”، بل كان نتيجة تراكم إهمال وتقصير على عدة مستويات، منها:
أولاً، مشكلة ركن السيارات العشوائي التي باتت تشكل عائقاً رئيسياً أمام حركة المرور، بما في ذلك وصول سيارات الدفاع المدني والإطفاء والإسعاف إلى مواقع الحوادث الطارئة. في منطقة الحمراء، كما في العديد من المناطق اللبنانية، تصبح الطرقات مزدحمة بالسيارات المركونة بطريقة غير منضبطة، وهذا ما يعيق حركة السير ويجعل الوصول إلى الأماكن المستهدفة صعباً ومستهلكاً للوقت. هذه المشكلة تتكرر يومياً، وهنا لا بد أن يكون هناك تحرك حقيقي من الجهات المعنية لحلها.
ثانياً، ركن السيارات بالقرب من حاويات القمامة كان له دور في اتساع رقعة الحريق. فالمركبات التي تُركت بجانب أكوام النفايات التي تتراكم جراء من يعبث بها لجمع مخلفاتها، ساهمت في تأجيج النيران بشكل أسرع، ما جعل الحريق يخرج عن السيطرة في وقت مبكر.
ثالثاً، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تفاقم هذه الحوادث هو الظاهرة المتزايدة للدراجات النارية. فقد أصبحت هذه الدراجات تمثل تهديداً حقيقياً على السلامة العامة، إذ يشهد اللبنانيون يومياً حالات من المخالفات المرورية الخطيرة، مثل القيادة بعكس السير أو القيادة بطريقة عشوائية، والوقوف مابين السيارات المركونة. وهذا كله يشكل خطراً على سائقي السيارات والمارة على حد سواء. كما تتكرر الحوادث التي تحدث عندما تفتح السيارات أبوابها فجأة، لتصطدم بها الدراجات النارية التي تتنقل بين السيارات بشكل غير قانوني (وبالأخير الحق على سائق السيارة)…
علاوة على ذلك، هناك حالات مستمرة من القيادة بدون رخصة أو عدم ارتداء الخوذ، مما يعرّض حياة هؤلاء السائقين للخطر. أما الوقوف العشوائي في منتصف الطريق بين السيارات، فهو يسبب المزيد من الازدحام ويعطل حركة السير بشكل كبير، مما يعيق وصول سيارات الإسعاف والإطفاء إلى مواقع الحوادث.
في ضوء هذه الظواهر، يصبح من الضروري على وزارة الداخلية بالتعاون مع الجهات المعنية إصدار “قانون صارم” ينظم بيع الدراجات النارية ويمنع بيعها إلا للمؤسسات الذين يمتلكون كافة المستندات القانونية اللازمة، مثل السجل التجاري ودفع الضرائب، وذلك لتقليل ظاهرة المتاجرة غير القانونية. كما يجب تحديد بيع الدراجات لشخص واحد فقط، وليس لأكثر من شخص لضمان عدم تداولها بشكل عشوائي.
ومن هذا المنطلق يجب أن تزداد أهمية هذه الإجراءات في ظل “حملات أمنية “يجب أن تُنفّذ في عواصم لبنان الثلاثة – بيروت، طرابلس، وصيدا – للحد من مخالفات الدراجات النارية والحد من انتشار هذه الظاهرة التي أصبحت تضر بالمجتمع بشكل كبير، حيث أصبحنا نشاهد اليوم أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة كالنار في الهشيم، فترى القاصي والداني من جميع الجنسيات وأولها المواطن اللبناني مستهتراً بالقانون؛ وأصبح الالتزام فيه حبراً على ورق.
خلاصة القول: يجب أن تكون هناك إجراءات صارمة لمواجهة التسيب في القيادة والتعامل العشوائي مع السيارات والدراجات النارية في لبنان. فالأمر لم يعد مجرد مسألة تنظيم مروري، فبالنظر لواجبات شرطي المرور نرى أن الالتزام والتعاون معه، أمر ضروري، وذلك درءاً للفوضى المرورية، وكل هذا يتعلق بحياة الناس وأمانهم؛ وعليه يجب أن تتحرك الدولة اللبنانية بسرعة لتنفيذ قوانين صارمة ضد المخالفات وأن يتحرك المواطن ويتعاون مع الدولة، والتأكد من أن الجميع، من مسؤولين ومواطنين، يلتزمون بالقوانين لحماية السلامة العامة.