الهديل

هل سقط مشروع ولاية الفقيه؟ [الحلقة الثالثة]

هل سقط مشروع ولاية الفقيه؟ [الحلقة الثالثة]

كتب عوني الكعكي:

 

أشرت في الحلقتين الأولى والثانية، الى ما أوردته صحيفة The telegraph البريطانية من تقرير أشارت فيه الى أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية وضع الجمهورية الإسلامية في إيران ونظام «الملالي» فيها في موقف صعب.

كما أشرت في الحلقتين السابقتين أيضاً الى ما فعله «ملالي» إيران في كل من العراق وسوريا…

وها نحن اليوم نتابع ما فعله هذا النظام في اليمن الذي كان في يوم من الأيام «اليمن السعيد».

إنّ السلطات اليمنية غير الحوثية تتهم بشكل متكرر إيران، بتوفير التمويل والأسلحة الى الشيعة الحوثيين… ونشرت إيران الغواصات والسفن الحربية قبالة ساحل اليمن في خليج عدن والبحر الأحمر بدعوى مكافحة القرصنة. ونذكّر بما قاله علي أكبر ولايتي إنّ دم اليمنيين هو دم الإيرانيين، وقلب اليمني هو قلب الإيراني.

أما حقيقة التدخل الإيراني في اليمن فله قصة أعمق… فعلى مدى العشرية الماضية من القرن الحالي، شهدت العلاقات اليمنية – الإيرانية حالتي مدّ وجزر شديدتين. خصوصاً بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين جماعة الحوثي «الشيعية» في محافظة صعدة شمال اليمن وقوات الجيش اليمني في كانون الثاني (يناير) 2004.

ومنذ ما بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وما مثّلته من بروز لمتغيّر إقليمي جديد ممثلاً بجمهورية إيران الإسلامية، كان هناك شيء ما غير مألوف، تزامن ظهوره مع قيام هذه الجمهورية، ألا وهو مبدأ تصدير الثورة الذي كان بمثابة حبّات اللقاح أو الإخصاب، لما بات يُطلق عليه اليوم بالطائفية السياسية في العالم العربي.

ولم تكن علاقة اليمن بإيران سوى انعكاس طبيعي لعلاقة النظام الحاكم في صنعاء حينها مع نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في بغداد، وكانت السياسة الإيرانية قد بذلت جهوداً كبيرة لنشر التشيّع في اليمن، طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عبر استقدام بعثات طلابية يمنية.

ولم يكن التمدّد الإيراني في اليمن وليد لحظة ما، بقدر ما كان وليد تراكم لمحاولات سابقة عديدة للاختراق، مثلما صنعت في لبنان والعراق وسوريا وغيرها، بدافع مبدأ تصدير الثورة الإسلامية التي لم تكن سوى غطاء للاستراتيجية الإيرانية القائمة على السيطرة ومدّ النفوذ في محيطها الإقليمي والعربي تحديداً.

غير أنه بفعل متغيّرات عدة طرأت، فرضتها مفاعيل ثورات «الربيع العربي» وجد الإيرانيون الفرصة سانحة للتدخل بحثاً عن مناطق للنفوذ وبشكل أكثر وضوحاً، لذا عقب مجزرة جمعة الكرامة في 18 أيار (مايو) عام 2011، بدأت عملية الاستقطاب والتجنيد للمشروع الإيراني في اليمن أكثر وضوحاً، وذلك بتجنيد واستقطاب شباب وناشطين وتسفيرهم خارج اليمن تحت لافتة إقامة مؤتمرات وورش عمل وندوات، يُستدعى لها عدد من الناشطين الشباب والأكاديميين ومشايخ القبائل وغيرهم للحضور الى بيروت أو طهران أو دمشق. وكان في كل مرّة يتم اختيار مجموعة منهم، وتأهيلهم لما بعدها من دورات إعلامية أو أمنية أو عسكرية أو سياسية.

كذلك، بدأت تظهر بقوة ملامح هذا التغلغل الإيراني بتمويل من طهران، لعدد من الأحزاب، كحزب الأمة والحزب الديموقراطي اليمني، عدا عن تمويل وسائل الإعلام ما بين صحف وقنوات فضائية.

ولم يقتصر دعم إيران لحلفائها فقط على الجانب الإعلامي، بل تعدّى الأمر الى تمويلهم مالياً وتزويدهم بالسلاح والتدريب عبر مدربين لبنانيين وعراقيين… ويأتي في هذا الإطار حادثة إيقاف السفينة الايرانية «جيهان 1» في مياه خليج عدن يوم 6 شباط (فبراير) 2013 وهي قادمة من إيران محملة بكميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتطورة.

ومثلما وجد الإيرانيون فرصة ثمينة لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية، فقد وجدها الحوثيون أيضاً فرصة أثمن، يحاولون من خلالها تحقيق حلمهم التاريخي العقائدي في الحكم.

إنّ العلاقة القائمة اليوم بين إيران وجماعة الحوثي علاقة سياسية براغماتية ترتكز على تحقيق مصالح الطرفين.

إنّ إيران استغلت موقع اليمن الجغرافي وإطلاله على أهم ممرات الطاقة في العالم ممثلاً بمضيق باب المندب الذي يعبره قرابة 3.2 ملايين براميل نفط يومياً.

إنّ الحوثيين وبمساندة من نظام «الملالي» في إيران أفقروا الشعب اليمني وحوّلوا اليمن الى بؤرة فقر بعد أن كان في يوم من الأيام «سعيداً». فبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يتم منعه من إيصال المساعدات الغذائية في المناطق التي تخضع لسيطرة «أنصار الله» الحوثي على حساب الأطفال والنساء الذين هم في أمسّ الحاجة إليها.

فأينما ولّيت وجهك في اليمن ستجد فساد الحوثيين ماثلاً أمامك… فساد قانون الجباية والاتاوات، وهذا ما انعكس سلباً بدوره على المواطن في شكل غلاء في الأسعار.

لقد أوضحت مصادر موثوقة أن مجموعة من كبار التجار المحسوبين على الحوثيين، قامت باستيراد الحبوب نيابة عن المؤسسة الاقتصادية، وهو ما أدى الى ارتفاع أسعار الحبوب والمنتجات الزراعية.

إنها كارثة اجتماعية خطيرة سبّبها نظام «ملالي إيران» في اليمن، كما سّبب في انهيار بلدان ومجتمعات «محور المقاومة» كلها.

إنّ انتخاب دونالد ترامب وسياساته المعروفة والمرتقبة من شأنه أن يضع النظام الإسلامي في إيران «نظام ولاية الفقيه»، في أضعف موقف له منذ 45 عاماً. وإذا ما تتابعت الضغوط القصوى التي يمارسها ترامب ضد نظام «الملالي»، فقد لا يتبقى في إيران، بحلول نهاية رئاسة ترامب، أي نظام ديني.. وقد لا يسعى ترامب الى تغيير النظام بشكل صريح وفوري، ولكن هذا قد يكون أحد العواقب غير المقصودة لأفعاله في نهاية المطاف، ومما يساعد ترامب في مهمة إسقاط نظام ولاية الفقيه أو إضعافه كلياً، ما فعله نظام «الملالي» في إيران في دول «محور المقاومة».

وهنا يكثر التساؤل: هل يستطيع خامنئي أن يلجأ الى صديقه في موسكو طلباً للدعم؟

فمنذ غزو روسيا لأوكرانيا، زوّد آية الله خامنئي فلاديمير بوتين بالصواريخ والطائرات من دون طيار، على أمل تأمين علاقة استراتيجية. ولكن ترامب قد يكون المدمّر النهائي في «علاقة الحب» بين بوتين وخامنئي. وإذا أبرم ترامب صفقة في أوكرانيا تُرضي موسكو… فهل يظلّ بوتين وفياً لإيران ومخلصاً لآية الله؟

يشير التاريخ الى أن بوتين ليس معروفاً بالالتزام، ولن يجد أي مشكلة في التخلّي عن خامنئي لتلبية احتياجاته الخاصة. ومع قلة الخيارات، من المؤكد أن خامنئي لن يكون لديه خيار سوى مصافحة ما يسمّيه «الشيطان الأكبر». فترامب في نهاية المطاف صانع صفقات، ولكن هنا تأتي الضربة القاضية، فلا يمكن رؤية خامنئي وهو يصافح الرجل الذي قتل قاسم سليماني.

خلاصة القول إنّ سياسة تصدير الثورة وهدف التشييع لم ينفعا إيران من المحافظة على سيطرتها على دول «محور الممانعة»… بل إن سقوط مشروع ولاية الفقيه صار قاب قوسين أو أدنى.

وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة غداً.

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version