خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يلتقي اليوم الرئيس المنتخب ترامب مع الرئيس الموشكة ولايته على الانتهاء بايدن لتنسيق مرحلة انتقال الحكم داخل البيت الأبيض.
.. كل أربع سنوات – أو ثماني سنوات في حال أُعيد انتخاب الرئيس نفسه لولاية ثانية – يحدث لقاء من هذا النوع بين رئيس منتخب ورئيس يستعد لمغادرة الحكم.. وهذا الاجتماع له في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية علامة مميزة إذ أنه يدلل على أن الديموقراطية الأميركية التي تقود العالم بألف خير.. في انتخابات العام ٢٠٢٠ رفض ترامب عقد اجتماع نقل حكم البيت الأبيض منه إلى الرئيس المنتخب آنذاك بايدن، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وحصلت حادثة هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول؛واعتُبرت هذه الأحداث بداية مسار مقلق لتعثر نموذج الليبرالية الديموقراطية الأميركية التي تميزها عن كل أنظمة الحكم في العالم، والتي تحاكيها العديد من دول العالم.
اليوم من خلال لقاء ترامب المنتخب وبايدن المغادر يتم إعادة مسار نموذج الديموقراطية وقيم الليبرالية الأميركية إلى نصابها؛ ولكن يحدث هذا بالشكل، أما في العمق فإن ما يجب إدراكه هو أن فوز ترامب في انتخابات ٢٠٢٤ لم يكن مجرد نجاح انتخابي للحزب الجمهوري على الحزب الديموقراطي بل كان نصراً تاريخياً وحدثاً لن يكون بعده هو ذاته ما كان قبله لا على مستوى الداخلي الأميركي ولا على مستوى الوضع الدولي.
ما الذي حدث وما هو عمق التغيير الذي عكسته نتائج انتخابات يوم ٥ فبراير الماضي وعودة ترامب للحكم؟؟
قبل يومين تصدى المنظر السياسي الأبرز “فوكوياما” للإجابة عن هذا السؤال حينما اعتبر أن فوز ترامب له معنى النصر التاريخي وليس مجرد الفوز بانتخابات.. ويمكن تلمس هذا المعنى من كون فوزه يمثل رفضاً حاسماً من قبل الناخبين الأميركيين لليبرالية والطريقة التي تطور بها فهم المجتمع الحر منذ ثمانينات القرن العشرين .
زد على ذلك أن الناخبين الأميركيين الذين صوتوا لترامب عام ٢٠١٦ لم يكن يعلموا على وجه الدقة من هو ترامب لذلك اعتبر تصويتهم له حالة شاذة أما هذه المرة فقد اقترعوا له وهم يعلمون بالتمام من هو ترامب وما هي أفكاره..
ولكن ما هي المآخذ للناخب الأميركي على الليبرالية وعلى مسار تطور فهم المجتمع الحر التي كانت السبب في تأييد ترامب والسير معه نحو قلب الصفحة؟؟ .
بنظر فوكاياما فإن الليبرالية الكلاسيكة التي اتبعت في الغرب تعني احترام الكرامة المتساوية للأفراد من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوقهم ومن خلال قدرة الدولة على التدخل لحماية هذه الحقوق .
ولكن هذه الليبرالية الكلاسيكة تعرضت لتشويهين كبيرين:
الأول صعود الليبرالية الجديدة التي تقدس الأسواق وتقلل قدرة الدولة على حماية المتضررين من التغيير الاقتصادي .
الثاني صعود سياسات الهوية وهو ما يسميه فوكوياما “بالليبرالية المستيقظة” واستخدام سلطة الدولة بشكل متزايد ليس لخدمة العدالة بل لتعزيز نتائج اجتماعية لمجموعات خاصة .
هذان التشويهان لليبرالية الكلاسيكية أديا لتحول كبير في الأساس الاجتماعي للسلطة السياسية وكان من إحدى نتائجه شعور الطبقة العاملة أن الأحزاب اليسارية لم تعد تدافع عنه مصالحها وبالتالي بدأت بالتصويت لليمين؛ وهذا ما يفسر لماذا انتصر الحزب الجمهوري هذه المرة بأصوات الطبقة العاملة البيضاء.
ما تقدم يؤشر إلى أن التاريخ السياسي يسلك في لحظة ما بعد ٥ نوفمبر منعطفاً حاداً في التعبير عن تبدل مصالح طبقات وتغير مفاهيم مجتمعات.. ويعبر عن أن ترامب يقود حقبة جديدة داخل مفاهيم الدولة العالمية المركز وعلى مستوى كل العالم.
.. والواقع أن هذه الرسالة تصيب بالقلق الدول الحليفة لأميركا كما الدول التي لديها خصومة معها؛ ذلك أن الاقتصاد الأميركي بشكل ذاهب لخوض حرب تجارية مع الآخر في كل العالم .
وعليه فإن مشاكل العالم كما يحددها برنامج الحقبة الترامبية الجديدة هي اقتصادية والدرجة الرابعة أو الخامسة إيديولوجية إذا تم النظر إلى هذا الجانب..
وعلى طريقة التدرج من العام الشامل إلى الخاص الضيق فإنه يصبح ضرورياً القول إن لبنان الدولة الفاشلة والبلد الصغير فوق خارطة التغير الكبير والجذري الذي يستعد العالم لمواكبته وتحمل نتائجه والبحث عن طرق لاحتوائه؛ يجب عليه أن يطل على موقعه داخل المرحلة الدولية المنظورة التي ستبدأ يوم ٢٠ يناير من الشرفة التي تجعله يرى الحقائق التالية:
أولاً- وقف النار في لبنان ووضعه الداخلي ليس أولوية لا عالمية ولا أميركية نظراً لأن أميركا منشغلة بأولوية حربها التجارية العالمية وبالمقابل فإن العالم منشغل بكيفية احتواء هذه الحرب الترامبية عليه.
ثانياً- نتنياهو حتى ٢٠ يناير سيظل تحت مظلة امتياز ترامب له ومخلصه العبارة التي قالها له وهي: أنجز المهمة بسرعة.
ثالثاً- وساطة هوكشتاين هي مهمة حلاوة الروح الديموقراطية من ناحية وهي مهمة تحظى بعد اهتمام ترامب بها لدرجة انه لا يرفضها ولا يواكبها..
رابعاً- لبنان يجب أن يدرك أنه في عالم يتغير وأن انتظاره لهوكشتاين هو آخر محطة حل متوفرة في عهد بايدن الذي فشل طوال عام كامل في إنتاج حل لحربي غزة ولبنان. أهمية وساطة هوكشتاين هي أنها تخدم عهد ترامب في قضية إبعاد تفصيل مزعج من أمام بدء ولايته بعد ٢٠ يناير.
لبنان في هذه اللحظة.. والسؤال كيف يمكن التصرف مع آخر فرصة يقدمها العهد الأميركي الماضي؟.