الهديل

الاديبة هالة كاظم إبراهيم”غيابة الجبّ”!

الاديبة هالة كاظم إبراهيم”غيابة الجبّ”!

البيوت!!

تلك الفكرة العبقرية

التي أحبّها الله

وقد وجد الكون واسعا فضفاضا،

فآثر سُكناها

ليُرفعَ فيها ذكره

وَيُذْكَرَ اسْمُهُ

ويُسَبِّحَ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ

 

والبيوت؛

تلك الفكرة القصيدة،

استعارها الشاعر

فبنى مسكنا من المجاز،

وقال للتائهين:

هلمّوا إلي،

اقتاتوا خبزَ الكلمات

وناموا في حقول اللغة

ففيها لكم متّسع…

 

غير أن البيوت،

كفكرة تبعث على الدفء

استعصت علينا

نحن أهل الجنوب،

بنيناها فأوسعنا

لكنها كانت تستحيل

فكرة مجددا…

 

ونحن يا الله

نحبّ الأفكار،

لكننا نحب البيوت أكثر!

لذا سنطوّبها باسمك

وسنعمّدها بمائك المقدس،

غير أن أكثر ما يُشقينا

أننا أُخرجنا منها على عجل،

كان الموت يطاردنا

فلم ننظر خلفنا،

لم نرتب الوسائد كما اعتدنا

ولم نغلق الأبواب…

 

كنا نحتاج مزيدا من الوقت

لنسقيَ شتلات الحبق،

لننتزعَ من رؤوسنا زمجرة الطائرات،

لنتكئ على جدران ستنقضُّ عمّا قليل،

وقد علمنا بما لدينا من تجربة

أننا لن نجد بعد اليوم جدرانا صلبة تقينا السقوط،

وأننا سنقف في العراء،

ظهورنا هباء،

وصدورنا أشرعة للعاصفة…

 

كان يلزمنا بضع دقائق

لنتعلم من السلاحف

كيف نحمل بيوتنا فوق ظهورنا

وكيف نثبّت سقف منزلنا الشفيف

في العراء

وقد صار إسمنتا صفيقا

يحجب عين الشمس…

 

ولأننا لم نمنح الوقت؛

ترانا كل مساء،

حين يخلد العالم للنوم،

ننسحبُ من بين الجموع

ثم نثبت وسط الجبين

عينا سحرية

نجولُ بها في أرض تحبنا ونحبها،

نغسل النوافذ من سنوات الغبار،

نفرش سجادا يدفئ صقيع الغياب،

ونعيد تأثيث القلب بما يليق من سكينة،

قبل أن نسقطَ مجددا في غيابة الجبّ،

يطوّقنا الحزن،

وأرض يباب تواصل دورانها

غير آبهة بنا،

بأرواحنا المعلقة هناك

على حبال الغسيل،

بأقدامنا المتربة

وقد أدمتها الطرقات الغريبة…

Exit mobile version