خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
طرح الجنرال يتسحاق بريك ذائع الصيت في إسرائيل تعقيباً على مقترح وقف النار الذي سلمته أمس السفيرة الأميركية ليزا جونسون للرئيس نبيه بري السؤال الهام الذي لم يطرحه أحد في لبنان؛ وقوامه لماذا تصر إسرائيل على أن يوقع لبنان على أنه يقبل بأن تهاجمه عسكرياً إسرائيل إذا أخل بتنفيذ القرار ١٧٠١ جزئياً أو كلياً؟؟.
ويسأل بريك وهو محق بذلك: أصلاً إسرائيل تهاجم لبنان حينما تحدد هدفاً عسكرياً بداخله من دون الحاجة لتوقيع لبناني على أنه يحق لإسرائيل مهاجمته؛ وعليه لماذا تعتبر إسرائيل ومن ورائها واشنطن أن عدم قبول لبنان ببند يضمن لإسرائيل أن تهاجم لبنان قد يخرب كل مسار توقيع الاتفاق؟؟.. بكلام آخر: إسرائيل تضرب لبنان عندما تريد فلماذا الآن تريد اعترافاً من لبنان بأنه يحق لها أن تضربه؟؟.
.. فعلاً هذا الطلب الإسرائيلي غير منطقي، وليس مفهوماً إلا إذا تم النظر إليه كذريعة يريد منها نتنياهو الوصول إلى الصيغة التالية؛ وهي جعل هذا المطلب بمثابة لغم ينفجر بكل الاتفاق في اللحظة الأخيرة مما يجعل نتنياهو يقول لقد حاولت إسرائيل إيجاد وقف للنار مع لبنان، ولكن حزب الله والمفاوض اللبناني رفضا وقف النار؛ والخيار الوحيد المتبقي هو استمرار الحرب!!. وهنا يريد نتنياهو أن يكرر سيناريو تفجير اتفاقات وقف الحرب وتبادل الأسرى في غزة؛ حيث “اخترع” نتنياهو بنداً أو طلباً إسرائيلياً يقول إنه لن يوافق على وقف النار وإبرام صفقة إلا إذا وافقت حماس وأميركا على أنه يحق لإسرائيل بعد تبادل الأسرى العودة للحرب في حال أخلت حماس بتطبيق اتفاق الصفقة!!.
وطلب نتنياهو هذا كان يستبطن تحقيق الهدف التالي وأن تفرض المسار التالي للأحداث: لتوافق حركة حماس على صفقة تبادل الأسرى، وبعد إطلاقها للأسرى – أي ورقة الضغط الرابحة على تل أبيب – ستستأنف إسرائيل “براحة” معركة القضاء على حماس!.
نفس هذا المنطق يدسه نتنياهو داخل ثنايا صفقة مقترح جونسون – هوكشتاين مع لبنان: ليوافق حزب الله على الانسحاب من منطقة ال١٧٠١ (ورقة الضغط الرابحة في يده على إسرائيل) وبعد ذلك يستأنف الجيش الإسرائيلي معركة القضاء على ما تبقى من حزب الله في مناطق أخرى من لبنان.
ببساطة لا يمكن الركون لنوايا نتنياهو كما هي مختبئة داخل المقترح المقدم لبري؛ وهو المقترح الذي كان بدأ ضمن صيغة أنه مقترح هوكشتاين مبعوث الرئيس بايدن الخاص ثم أصبح مقترح ليزا جونسون وخلال الأيام الماضية كان يعرف بأميركا بإسم مقترح دريمر (وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية).. وببساطة يمكن الاستنتاج بأن نتنياهو بدأ ينفذ عملية إدخال لبنان في نفق غزة؛ وذلك على مستوى جعل حربه المجرمة تتستر بمقترحات لوقف النار مهمتها استهلاك وقت وقف الحرب، ويقوم بتفجيرها (أي هذه المقترحات) كلما بدا أنها وصلت إلى لحظة توقيعها، من خلال نكأ البند – اللغم بداخلها الذي يقول يجب على الطرف الآخر سواء كان حماس أو حزب الله أن يعترف لإسرائيل بحقها في شرعية إستكمال تدميرهما بعد أن تأخذ الأسرى من حماس وبعد أن يخرج حزب الله من منطقة ال١٧٠١.
من جهته لبنان يريد تطبيق ال١٧٠١ ويريد أحادية وجود سلاح الدولة في منطقة عمليات اليونيفيل جنوب خط الليطاني؛ ولكن إسرائيل بحسب مقترح ليزا جونسون الذي هو أيضاً مقترح آموس هوكشتاين، تريد تطبيق ال١٧٠١ جنوب الليطاني وبعد ذلك تنتقل لشن حرب على بقية المناطق اللبنانية بحثاً عن حزب الله. قصارى القول هنا هو أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، ما يريده هو إنشاء هدن لوقف إطلاق نار؛ يريد نتنياهو بالأساس الحصول على شرعية دولية وحتى من ضحيته تمنحه حق إبقاء قرار وقف إطلاق النار وتجديد إطلاق النار بيده وحده؛ وليس بيد أي اتفاق؛ أو أي لجنة مشرفة؛ الخ..
لماذا يريد نتنياهو فعل ذلك؟؟.
أولاً- لأنه يعتبر أن هذه الحرب يجب أن لا تنتهي على نفس النتائج التي انتهت عليها حرب العام ٢٠٠٦ التي لم “تجتث” وجود حزب الله العسكري في منطقة عمليات اليونيفيل؛ والتي لم تقيد إعادة تسلح حزب الله. وهذان هدفان يريد نتنياهو ضمانات حاسمة بشأنهما؛ ولكن نتنياهو ومعه كل اليمين الإسرائيلي يعتبرون أن الجهة الوحيدة التي تضمن حصول هذه المطالب الإسرائيلية بشكل فعلي وجدي، هي إسرائيل وحدها وليس أية قوة أو دولة أخرى.
ثانياً- لأن نتنياهو يعتبر أن خياره السياسي والاستراتيجي وحتى الشخصي هو استمرار إطالة أمد الحرب حتى تحقيق النصر المطلق.. ولا يزال نتنياهو مقتنعاً بأن الحرب ضد حماس وحزب الله وما يسميه بنفوذ إيران في المنطقة، يجب أن تسلك مسار خوض الحرب الطويلة ضدهم حتى تؤدي مع الوقت ليس فقط إلى تفكيك البنى العسكرية لهذه القوى (الأذرع)؛ بل أيضاً إلى تآكل نفوذها بين بيئاتها الداعمة لها.
ثالثاً- سيظل نتنياهو يعتبر أن حربه في لبنان هي بمثابة “شرفة إقليمية” يطل منها على احتمال أن ينجح بتنفيذ حلمه الأساسي وهو توريط إيران باشتباك مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، وحينها فقط يحصل نتنياهو على “الجائزة الكبرى” ويدرك ما يسميه بالنصر المطلق..