الهديل

خاص الهديل: ما الذي توافق عليه ترامب ونتنياهو بخصوص اتفاق وقف النار على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية؟..

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

ليس واضحاً بعد ما هو موقف بنيامين نتنياهو الضمني والحقيقي – وليس المعلن داخل أروقة الاجتماعات الرسمية – من مقترح وقف إطلاق النار الذي سلمته السفيرة الأميركية ليزا جونسون إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. 

 

ويجدر على هذا الصعيد إيضاح اللحظة الإسرائيلية الداخلية التي جرى خلالها انتاج ورقة هذا المقترح الذي هو بالنهاية يعتبر ثمرة تفاوض حصلت في الولايات المتحدة الأميركية بين وزير شؤون الاستراتيجية الإسرائيلي روني ديرمر كممثل وثيق جداً لنتنياهو، وبين مستشار الأمن القوي في إدارة بايدن جاك سوليفان، وأيضاً مسؤولين أميركيين آخرين في إدارة بايدن؛ أضف إلى ذلك أن ديرمر كان في صلب لقاءاته الأميركية اجتماعه بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في مزرعته في فلوريدا؛ وبحث معه الحرب في لبنان؛ وبالأساس ملف إيران. 

 

وأهم معنى لديرمر داخل إسرائيل وداخل معادلة العلاقة الإسرائيلية الأميركية هو التالي: ديرمر هو أميركي حصل على الجنسية الإسرائيلية فقط منذ سنوات قليلة؛ وينظر إليه داخل المستوى السياسي الإسرائيلي على أنه شخص مقرب جداً من نتنياهو؛ كما يعتبره الجميع أنه هو وزير الخارجية الفعلي سواء على أيام يسرائيل كاتس الذي أصبح وزيراً للدفاع؛ أو على أيام جدعون ساعر الذي أصبح الآن وزيراً للخارجية. والأخير – أي ساعر – تظهره الاستطلاعات الأخيرة على أنه في أوج ضعفه الشعبي؛ ولذلك قرر نتنياهو التخلي عن خصومته له؛ وضمه إلى حكومته بوصفه وزيراً طيعاً له.

 

المهم هنا أن ملف وزارة الخارجية هو في يد ديرمر الذي يعمل بما يمليه عليه نتنياهو؛ ولكن يوجد لدى ديرمر ميزة تشبه تلك التي يتمتع بها نتنياهو؛ وهي أن كليهما يعرفان أميركا جيداً ويدركان أبوابها المهمة وزواريبها السياسية الداخلية.

وما هو مؤكد حتى هذه اللحظة هو أن ديرمر مهمته في الولايات المتحدة الأميركية بتكليف مباشر من نتنياهو الذي صاغ له عدة توجيهات لهذه المهنة؛ كان أبرزها حسبما يمكن استنتاجه من تقارير صحفية إسرائيلية عديدة؛ التوجيه الذي شدد على ديرمر بأن عليه الوقوف على “خاطر ترامب” لجهة معرفة هل يريد إنجاز وقف نار مع لبنان على زمن إدارة بايدن.

 

إجابة ترامب – حسب معلومات صحف أميركية وإسرائيلية – كانت التالية: “ليذهب هوكشتاين ويكمل مهمته بين إسرائيل ولبنان”..

 

.. وهذه الإجابة التي تم تقصد تسريبها للإعلام تعطي ظاهرياً انطباعاً بأن ترامب لا يريد منافسة بايدن على إنجاز وقف النار في لبنان، وأن همه الأساسي هو أن يتم إنهاء حرب إسرائيل مع لبنان قبل دخوله البيت الأبيض!!.

 

وبحسب معلومات أخرى فإن هذا الاستنتاج الذي عممه ديرمر وترامب ليس صحيحاً ومضللاً؛ وهدفه إظهار أن ترامب قوي لدرجة أنه يستطيع أن يبدي تسامحاً مع البطة العرجاء المقيمة حتى ٢٠ يناير في البيت الأبيض؛ ولكن الحقيقة هو أن جملة “ليذهب هوكشتاين ويكمل المهمة”، هي ليست كل العبارة التي قالها ترامب لديرمر؛ حيث أن بقية العبارة التي لم يتم توزيعها للإعلام هي الأهم، ومفادها أن ترامب قال لديرمر أيضاً “اعملوا على جعل هوكشتاين يتوصل لاتفاق قبل ٢٠ يناير؛ ولكن عليكم أن لا تعلنوا التوصل إلى هذا الاتفاق إلا بعد دخولي للبيت الأبيض”؛ بمعنى آخر يريد ترامب أن يتم إنجاز الاتفاق بكل بنوده في عهد بايدن ولكن يجب تأخير إعلانه ليتم تحت رعاية ترامب وفي ظل إدارته.

 

إلى هنا سيناريو ترامب ولكن ماذا عن سيناريو نتنياهو؟؟.

 

يسير نتنياهو على الجبهة اللبنانية على هدى نظرية تقول إنه ليس مهماً ماذا سيرد بخصوص الالتزام بالقرار ١٧٠١ بل المهم هل يمكن لإسرائيل أن تفرض على لبنان أن يطبق القرار ١٧٠١ بحذافيره ووفق رؤية ومصالح إسرائيل له.

 

ومن وجهة نظر نتنياهو قد يوافق لبنان على كل بنود الاتفاق لوقف النار وبضمنها التعديلات التي قدمتها إسرائيل؛ ولكن – ودائماً كما يرى نتنياهو – هذه الموافقة غير كافية ولا ترضي إسرائيل ولا تقدم لها أية ضمانة؛ ذلك أن ضمانة الاتفاق الوحيدة مع لبنان هي التأكد من إسرائيل ستكون قادرة بعد وقف النار على فرض تنفيذ الاتفاق على لبنان بالقوة – أي بقوتها العسكرية – وليس بقوة الاتفاق القانونية أو ضمانات الآخرين بخصوص فرض تنفيذه.

 

إن أحد العبر الأساسية التي وصلت لإسرائيل – وبالتحديد لنتنياهو – بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ هي أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد إلا على قدراتها العسكرية المتغولة لتحقيق الأمن لها وخاصة مع حزب الله ومع حماس وأيضاً مع إيران. ويبدو هذا الاستنتاج أشبه بقناعة مرضية ولكنها تسكن عقل نتنياهو والكثيرين في إسرائيل. 

 

قد يلتقي نتنياهو مع ترامب في نقطة أساسية لا تزال غير مكتشفة من قبل المتابعين العرب، وهي أن نتنياهو بات مقتنعاً بنتيجة حرب طوفان الأقصى أن أمن إسرائيل داخل حدودها وحول حدودها لا يمكن تجييره لمقاولين سواء كانوا أصدقاء لتل أبيب أو غير معادين؛ بل يجب على إسرائيل أن تحققه بذاتها وبواسطة جيشها وفرض معادلة ردعها. وهذا المنطق يتفق معه ترامب الذي لا يريد أن تتكلف أميركا عبر إرسال جيشها لحماية الآخرين. وعليه فإنه بالنسبة للضمانات المطلوبة لنتنياهو بخصوص غزة أو الحدود مع لبنان لن يكون هناك تناقض بين ترامب ونتنياهو؛ فكلاهما يؤمنان بأن على صاحب الحاجة أن يقوم هو بنفسه بتلبية حاجته. وطبعاً الأمر يختلف بالنسبة لإيران التي هي موضوع إقليمي يخص واشنطن بأكثر مما يخص تل أبيب رغم أن الأخير تصنفه على أنه موضوع وجودي بالنسبة لها.

ومن مجمل ما تقدم يمكن القول بشيء من الثقة التالي: ١- إن نتنياهو لن يوقع على اتفاق لوقف النار مع لبنان قبل مجيء ترامب إلى البيت الأبيض؛ ٢- هوكشتاين لا يزال لديه مهمة وهي إنجاز التوافق اللبناني الإسرائيلي على الاتفاق وجعله جاهزاً للتوقيع لحظة دخول ترامب البيت الأبيض؛ ٣- الاتفاق حتى لو تم إبرامه لن يمنع نتنياهو من الاستمرار في إطلاق النار متى شاء؛ وترامب لن يمانع حيال هذا الأمر كونه يعتقد أن من يضمن حماية أمن إسرائيل مع لبنان وبوجه حماس هو القوة الإسرائيلية المدعومة أميركياً وليس أي جهة مادية أو معنوية أخرى..

والواقع أن هذه المعاني التي يمنحها نتنياهو لفلسفة أي اتفاق جديد لوقف النار مع لبنان، والتي قال ترامب في مرحلة سابقة إنه يتفهمها؛ هو الذي يفسر كيف أن المقترح الحالي هو بالأصل ثمرة اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على كيفية حماية مصالح إسرائيل بعد مرحلة وقف النار. ومن ثم تم عرض المقترح على لبنان كي يوافق عليه؛ وان يناقشه مع نفسه!!

Exit mobile version