السنيورة: العودة إلى “نحن انتصرنا”… استخفاف بعقول اللبنانيين
أعلن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السينورة أن عودة “حزب الله” إلى لغة “نحن انتصرنا استخفاف بعقول اللبنانيين ومصالحهم ومستقبلهم”، معتبراً أن زجَّ لبنان في الحرب “كان قراراً متعجّلاً وحساباته غير دقيقة وثبت في المحصلة أن الحزب لم يتمكن من ردع إسرائيل ولا حماية لبنان ولا حتى حماية نفسه”.
وقال الرئيس السنيورة في حديث إلى صحيفة “الراي” الكويتية يُنشر غداً “إن إسرائيل هي العدو ولكن في 2006 و2023 الحرب بدأت بمبادرة من “حزب الله”، مشيراً إلى أن الحزب “اتجه (بعد 2006) إلى أن يكون جيشاً لا مقاومة ونفّذ تعليمات إيران بالتدخل في سورية والعراق واليمن”، ولافتاً إلى أنه تَبَيَّنَ في ضوء مجريات الحرب الحالية “أن إيران تتصرّف كدولة ولها مصالحها واعتباراتها وبالتالي تريد أن تحمي بلادها وأبناءها”، ومؤكداً “أن الحل في لبنان بالعودة إلى الدولة وألا يكون هناك سلاح غير سلاحها”.
وفي ما يأتي نص الحديث:
* بين حرب 2006 وحرب 2024… ما نظرة دولة الرئيس للوضع وما أُفق الحل في لبنان؟
– بداية هناك بعض التماثل وكثير من الفروق بين الحربين.
التماثُل هو في أن في الحالتين كانت العملية بمبادرة من “حزب الله”. طبعاً كلنا ندرك أن إسرائيل هي العدو وهي التي ترتكب كل الاعتداءات، أكان ذلك بالنسبة للبنان أو بالنسبة أيضاً لقطاع غزة والضفة الغربية، لكن في الحالين كما ذكرتُ، بدأت بمبادرة من “حزب الله”.
أما الفارق فيتمثّل في أن الحكومة اللبنانية عام 2006 أكدت مباشرة أنها لم تكن تعلم، وأنها لا تتبنى، وستبادر إلى أن تأخذ الأمر على عاتقها وتتولى كل الجهود من أجل وقف الاجتياح الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يحصل في 2023، حيث أن الحكومة لظروفٍ تمر بها، لم تبادر لأن تُعْلِمَ الجميع بأنها لم تكن تعلم وهي فعلياً لم تكن تعلم، وهي لم تتبرأ من الذي حصل، ولم تبادر إلى القول إنها ستأخذ الأمر على عاتقها.
وإلى جانب ذلك، فالظروف مختلفة ما بين 2006 و2023، كلياً… كان هناك رئيس جمهورية في 2006 بينما ليس لدينا رئيس جمهورية اليوم. فلبنان يمر منذ بداية 2022 وإلى الآن، بأزمة سياسية كبيرة جداً، حيث لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جمهورية، ولم يَجْرِ تأليف حكومة لتتولّى السلطة في البلاد. كما أن لبنان يمرّ في وما زال بأزمة اقتصادية خطيرة، أضِف إلى أن هناك مشكلة كبيرة أيضاً، تتمثل في عدد اللاجئين أو النازحين السوريين بشكل كبير. وأيضاً، لبنان أصبح يفتقد شبكة الأمان العربية التي كانت لديه في 2006… شبكة أمان عربية ودولية.
الآن أصبحنا هنا، وتالياً فإن العمل يجب أن ينصبّ من أجل وقف النار. ونعلم أنه مضى الآن أكثر من 13 شهراً والحرب مستمرّة على لبنان، مثلما هي مستمرة حتى الآن على غزة، وأيضاً سياسة التضييق التي تمارسها إسرائيل على الضفة الغربية.
وأثبتت الأيام أن هناك ضرورة ليس فقط لوقف النار، بل كي يستعيد لبنان دولته وسلطتها الحصرية على كل أراضيها، وأن يصار إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد من أجل إعادة تكوين المؤسسات الدستورية.
والآن كلنا نعلم أنه في 2006 جرى التوصل إلى وقف الأعمال العدائية على أساس قرار مجلس الأمن 1701 الذي يقضي بألا يكون هناك وجود مسلح على الإطلاق في منطقة جنوب الليطاني لـ “حزب الله”، كما وأن يصار أيضاً إلى ألا يكون هناك دخول أي نوع من أنواع السلاح إلى لبنان عبر معابره البرية والجوية والبحرية، لأي طرفٍ باستثناء الدولة اللبنانية. والقرار في بناءاته يتحدث عن اتفاق الطائف، وعن القرارات الدولية الأخرى التي صدرت بالنسبة للبنان، ولذلك كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بالاعتبار من أجل التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار.
لم يعد بالإمكان أن يتحمل لبنان استمرار الاعتداءات التي تؤدي إلى المزيد من الضحايا والشهداء والجرحى والتدمير المنهجي لمناطق كثيرة، ولا سيما أن إسرائيل تلجأ الآن إلى عملية تفريغ مناطق واسعة من جنوب لبنان عبر تدميرٍ كامل للعديد من القرى والبلدات، وهذا يؤدي إلى العدد الكبير من النازحين الذين يفوق عددهم الآن مليون و200 ألف… اي تقريباً نحو ربع السكان نزحوا من ديارهم، وهذا يشكّل عبئاً كبيراً وضخماً على الدولة واللبنانيين.
* تخرج إشارات من دول الخليج ودول أخرى، بأن إعادة إعمار لبنان ستكون هذه المرة مشروطة بتنفيذ السلطة القرارات الدولية، وأهمها 1559 الذي ينص على تجريد حزب الله من سلاحه. هل تعتقدون بواقعية أن تطبيق هذا القرار ممكن؟
– هناك قرارات دولية، وهناك قرارات لبنانية… والقرار اللبناني هو اتفاق الطائف الذي ينصّ على ألا يكون هناك سلاح غير سلاح الشرعية.
والأمور تتطلّب في هذه المرحلة الكثير من الجهد والتبصّر، وأيضاً الحزم من أجل استعادة الدولة لسلطتها الكاملة على كل الأراضي اللبنانية، مع تأكيد أهمية احتضان اللبنانيين لبعضهم بعضاً، ولاسيما أن “حزب الله” متجذّر في لبنان ولديه مناصروه ومريدوه، وهذا الأمر يتطلب بعد هذه التجربة المؤلمة، ان نستخلص جميعاً أن هناك حاجة لأن يعود اللبنانيون جميعاً إلى الدولة وبشروطها، فهي الملاذ الحقيقي والتي تشكّل الحماية للجميع.
وبالتالي يجب أن لا يؤدي ما يجري حتى الآن، إلى أن يشعر أي فريق بأنه انهزم، وبأن هناك فريقاً قد انتصر. على العكس، المطلوب أن يشعر الجميع بأنهم منتصرون بعودتهم إلى الدولة التي تحميهم جميعهم، ليستطيع لبنان أن يتخطى الأزمات الخطيرة الموجودة أو التي نشأت بسبب العدوان الإسرائيلي، والذي أدى إلى هذا القدر من التدمير والضحايا والجرحى والعدد الكبير من النازحين.
وليس هناك إمكانية لأن تستمر الأوضاع، وأن يبقى هناك فريق مسلح وفريق آخر غير مسلح… وحتماً ليست هذه دعوة من أجل أن يتسلّح الآخَرون. على العكس من ذلك، يجب أن لا يكون هناك سلاح بيد أي فريق، لا حزب ولا طائفة. فما يحمي اللبنانيين هي الدولة العادلة صاحبة السلطة الوحيدة على كل أراضيها.
ويجب أن نقاربَ الأمر من زاويةِ تكوين القناعة لدى الجميع بأن هذه ليست عملية انتقامية من أحد، وأن يشعر الجميع بأنهم منتصرون.
فالصيغة اللبنانية تقوم على فكرة العيش الواحد المشترك، ما يعني أن الجميع سواسية أمام القانون. وبالتالي ليست هناك ميزة لفريق على فريق، ولا أن يكون هناك فريق مسلح يفرض إرادته على الآخرين… هذا الأمر لم يعد مقبولاً بأي شكل من الأشكال.
وخلال هذه الفترة طرأت متغيّرات أساسية، أكان على الصعيد اللبناني أم على صعيد المنطقة، وتالياً على الصعيد العالمي، ولذلك على الجميع أن يدركوا ان هناك ضرورة لأن نأخذ هذه المتغيرات في الحسبان.
وزجُّ لبنان في هذه المعركة العسكرية، كان قراراً متعجلاً، لم يَقُمْ على حسابات دقيقة، وبالتالي أدى إلى ما نحن عليه حالياً.
* يتردد أنه بعد وقف النار من الممكن أن يرتدّ “حزب الله” إلى الداخل بغية تكريس معادلة جديدة تحفظ له مبدأ فائض القوة الذي كان عليه. كيف يمكن مواجهة ذلك؟
– كل فريق يحاول أن يرى كيف يتذاكى، ويحاول أن يحتفظ بأفضلية معينة، وهذا ليس في مصلحة استمرار الصيغة النموذجية من أجل إدارة العيش المشترك في مجتمعات متنوعة.
وبداية لنقُلها بصراحة، إن السردية التي اعتمدها “حزب الله” لجهة أنه يُؤمِّن الردع في مواجهة إسرائيل، ويُؤمِّن الحماية للبنان، ثبت في المحصلة عدم صحتها. فهو لم يتمكن من الردع، ولا حماية لبنان، ولا حتى حماية نفسه.
وهنات أعود إلى ما جرى عام 2006. وحينها استطاع لبنان بمفهومي أن يمنع إسرائيل من الانتصار. ولا يقلّل أحد على الإطلاق من أهمية ما تمكّن لبنان من تحقيقه من خلال الصمود وأيضاً بسالة المقاومة، ومن خلال عمل الحكومة التي استطاعت أن تجمع كل اللبنانيين وتحقق هذا الإنجاز الكبير بأننا منعنا إسرائيل من الانتصار… لكن كان هناك رأي آخر، أن هذا هو “الانتصار الإلهي”.
وقد طرأت مستجدات منذ 2006 حتى الآن، فإسرائيل أعادت تنظيم أوضاعها الداخلية والعسكرية وعزّزت من قوتها، ليس فقط النارية والجوية بل وقوتها الاستخباراتية والتكنولوجية. و”حزب الله” من جهته، ذهب لتعزيز قواته، بحيث أنه أصبح متجهاً إلى أن يكون جيشاً لا مقاومة وعمليات كوماندوس، ثم انطلق إلى مهمات أخرى بعد 2006 حيث بدا وكأنه تحوّل قوةً تنفذ تعليماتٍ من إيران، بالتدخل في الأوضاع في سورية والعراق واليمن، وبالتالي صارتْ له مهمات إقليمية ودولية، وهذا أدى إلى الكثير من المشكلات، إضافة إلى أن هذا السلاح أصبح موجَّهاً نحو صدور اللبنانيين من خلال العمليات التي قام بها في أيار 2008 في بيروت ومناطق لبنانية أخرى.
فهذه الأمور يجب أن تؤخذ بالاعتبار، بهدوء وليس في إطار عمليات لوم أو انتقاد أو محاولة ما يُسمى تجريم فريق أو آخَر، وذلك إذا كنا نريد التوصلَ إلى نتيجة مُجْدِية للبنان.
وبالتالي ندرك، أن البعض يمرّ بـ “حال انكار” ولا سيما لدى قاعدة “حزب الله”… وبعد أن تهدأ الأمور علينا أن نواجه التداعيات، أكان في ما خص النسيج اللبناني، أو في ما خص إعادة الإعمار، وبالنهاية عودة الدولة.
كما يجب أن نأخذ في الاعتبار، المتغيّرات في المنطقة والعالم، كما الوضع بالنسبة لإيران وسورية والداخل اللبناني، وأيضاً على المستوى العالمي وخصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
خلال الفترة الماضية كانت مقولة الردع لدى “حزب الله” أننا قادرون على أن نصل إلى أي نقطة في إسرائيل وأن نصيبها في أي مكان. كان هناك تضخيم لقدرات الحزب وللتوقعات لدى اللبنانيين حول ما يمكن أن يقوم به، وتضخيم أيضاً للدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في لبنان، وأنها حاضرة من أجل أن تنجد “حزب الله” عندما يحتاج إلى ذلك. وتبين أيضاً أن إيران تتصرف كدولة لها مصالحها واعتباراتها، وبالتالي تريد أن تحمي بلادها وأبناءها من أن يتعرّضوا إلى مخاطر، وهذا الأمر سمعناه من المسؤولين الإيرانيين.
ورداً على الكلام عن أننا قادرون أن نرسل صواريخ إلى إسرائيل، وأن بعضها يصيب مناطق ويلحق أضراراً، هل سأل أحد آنذاك ماذا يمكن أن تُلْحِق إسرائيل بلبنان؟ لم نسمع أحداً يسأل أبداً: نحن ماذا سيصيبنا؟
ومن البديهي أنه عندما يقرر أحد أن يخوض حروباً فإنه لا بد أن يكون سأل، ما الكلفة؟ ما المردود السياسي؟ ما المردود أيضاً الوطني؟ وما التكلفة التي يمكن أن نتحملها؟
لم يسأل أحد عن اللبنانيين وماذا يحلّ بهم … فإذا كنا قادرين على أن ندفع 60 أو 70 ألفاً من المستوطنين الإسرائيليين لإخلاء المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان والنزوح منها، (طيب على رأسي بس ما حدا سأل شو بصير باللبنانيين)؟ وكم يصبح لدينا من نازحين لبنانيين؟ وكم هذا يؤثّر على لبنان؟
والآن آن الأوان أن ندرك في محصلة هذه العملية، ماذا كانت النتيجة بالنسبة للبنان، وفي الداخل وعلى الاقتصاد وعلى اللبنانيين وعلى الأرواح التي أزهقت وعلى عدد الجرحى، وعلى حجم القهر الذي يشعر به اللبنانيون الذين اضطروا إلى النزوح قسراً عن بلداتهم، وأولئك الذين خسروا كل ما يملكونه في قرى أُبيدت من أساسها وجرى مسحها عن الخريطة. هؤلاء الناس، ألا نسأل عنهم؟
والحقيقة أن القوة الحقيقية للبنان هي في وحدة أبنائه، وفي تعزيز هذا النسيج اللبناني المتضامن المتكافل مع بعضه بعضاً من أجل حماية بلاده. فهذا الأمر هو الذي يجب أن نؤكد عليه الآن، وليس أن نتلهى بأمور أثبتت أنها لم تقدم الحماية أو أن نعيد الكَرّة ونعتمد على أساليب وعناصر لم تَثبت صحتها. فإذا أَعَدْنا الكَرّة، أعتقد أننا لا يمكن أن نصل إلى أي نتيجة.
وعلينا أن نُعْمِلَ العقلَ والمصلحة التي تجمع اللبنانيين من أجل أن نواجه إسرائيل. ونستطيع أن نواجهها بالعديد من الأمور التي يتميز بها لبنان، وبأن نأخذ في الاعتبار الموقف العربي، أما الذي جرى حتى الآن، فقد أدى إلى ما أدى إليه، وبالتالي علينا أن نستخلصَ الدروسَ الحقيقية وألا نضيّع الفرص كما فعلْنا في الماضي، وعلينا أن نتوجه من أجل أن نسارع بدايةً إلى تحقيق وقف النار، وبالتوازي العمل على تطبيق القرار 1701 بكل بنوده، وأن نعود إلى الدولة بشروط الدولة، وبالتالي ألا يكون هناك أي السلاح في لبنان غير سلاح الدولة اللبنانية.
ومن الطبيعي أن لبنان بحاجة إلى تعزيز قواته العسكرية والأمنية. ويجب أن لا ننسى أن لبنان عُرض عليه في وقت معيّن من المملكة العربية السعودية التي قَدمت مبلغ مليار دولار من أجل تعزيز قواه العسكرية والأمنية، ومبلغ ثلاثة مليارات دولار من أجل أن يصار إلى تمكينه من الحصول على كل المعدات والتجهيزات اللازمة لتعزيز قدراته الحمائية.
وآنذاك انبرى عدد من الفرقاء والأحزاب المنتمية إلى محور المقاومة لانتقاد السعودية ومحاولة التشكيك بمبادراتها، الأمر الذي دفع المملكة إلى أن تسحب هذا العرض، وبالتالي فقدناه.
أي بعبارة أخرى بإمكان لبنان أن يحصل على الدعم من أشقائه ومن أصدقائه من أجل تعزيز قدراته الحمائية، وبالتالي لا يعتقد أحد أن الجيش اللبناني لا يَقدر عندما يتعرّض لتحدٍّ معيّن. القضية تحتاج بداية إلى قرار بأن نعود إلى الدولة، وتعود السلطة الشرعية استناداً إلى هذا العمل الوطني القائم بجمْع اللبنانيين على موقف وطني واحد يستطيع أن يحميهم.
* انتم أخْبر الناس بأن الحزب ومِن خلفه ايران مع أي صيغة لاتفاق وقف النار بغية التقاط الأنفاس وإعادة تجميع عناصر القوة ثم التنصل تدريجاً من الاتفاق. وحصل ذلك معكم في ما خص القرار 1701 إذ بعده خرجت أصوات التخوين وجرت أحداث وسط بيروت ثم تم تفريغ الاتفاق عملياً من مضمونه. هل يمكن أن يحصل ذلك مع أي اتفاق جديد؟
– لست من قرّاء الفنجان، لكن أقول إن هذه التجربة الماضية التي شهدنا فيها قدراً عالياً من التذاكي ومحاولة التهرب مما يسمى الالتزامات التي أبدى لبنان استعداده من أجل التقيد بها، ليس بإمكان ولا دولة القيام بها، فكيف بالدول الصغيرة.
نحن لسنا من الدول الكبرى ولا من الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وتالياً وعلى قاعدة ما يقول أرسطو “اعرَف نفسك”، علينا أن نعرف حجمنا. حجمنا طبيعي ونحن أدرى به، ويجب أن نكون أدرى به، وأن نتصرّف على أساسه. وبالتالي عندما يَعرف المرء نفسه يكون قوياً، ويعرف ما إمكاناته وقدراته وأين تكمن الميزات التفاضلية اللازمة، وكيف عليه أن يتصرف، وألا يعيد الكَرّة للتذاكي.
اللبنانيون يعيشون استناداً إلى عيشهم المشترك، واستناداً إلى علاقاتهم مع بعضهم بعضاً، وإلى أن لبنان تاريخياً كان دائماً يلتزم بقرارات الشرعيتين العربية والدولية، ولكن خلال هذه الفترة، مرّ لبنان بمرحلةٍ انخفض فيها منسوب ثقة العالم العربي والعالم به.
في 2006 حين صدر القرار 1701، صحيح أن إسرائيل لم تلتزم بتطبيقه، لكن أيضاً “حزب الله” لم يلتزم بتنفيذ المقررات التي تَضَمّنها، وهذا الأمر بالنسبة لنا هو أمر خطير جداً، وبالتالي صار هناك ما يسمى نوع من التصرف اللامسؤول الذي لا ينمّ عما تقتضيه مصلحة لبنان بأن يلتزم بالمقررات الدولية … وكانت النتيجة أن مقدار التجاوب مع لبنان انحسر.
هناك فجوة علينا أن ننظر إليها بكل شجاعة وبكل جرأة من أجل أن نعيد نسج هذه العلاقات كي تعود قوية، فنحن بحاجة إلى إخواننا وأشقائنا في العالم العربي وإلى أصدقائنا في العالم كي يقفوا إلى جانب بلدنا.
لبنان بحاجة إلى أن يتخطى هذه المرحلة الصعبة، وهو لا يمكن أن يتجاوزها بالتهويل ولا بما يُسمى بالمزايدات ولا أيضاً بالانحراف عما التزمه. وهذا هو التحدي الذي علينا أن نكون بمستواه. وعلينا ايضاً أن نرتقي جميعاً لأن نبني على وحدة اللبنانيين وتصميمهم على العودة إلى الدولة بشروط الدولة، وعلى أهمية أن يصار إلى أن تكون للدولة سلطتها الحصرية على الجميع من دون استثناء، وأن الذي يحمي لبنان واللبنانيين، هو القوة الداخلية، وأيضاً العلاقات القويمة المبنية على الثقة مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي.
* كيف تشخصون ظاهرة الانكشاف الأمني الأقرب إلى الخيال التي أدت إلى تمكن إسرائيل من تصفية قادة وكوادر”حزب الله”؟
– خلال الفترة الماضية كانت إسرائيل تعمل على تعزيز قدراتها الهجومية والاستخبارية، وبالتالي كانت لديها معلومات كاملة عن الحزب وأفراده، وكانت تنفّذ عمليات اغتيال وليس فقط القصف العشوائي.وكانت تتقصّد من ذلك اغتيال عناصر معيّنين، وهذا الأمر بحاجة لمزيد من التبصر واستخلاص الدروس والعِبر.
بإمكاننا التصدي لإسرائيل وعدوانيتها من خلال وحدة اللبنانيين وعملهم المشترك وحرصهم على أمن وسيادة لبنان، وأن نضع الأمور في نصابها. فالقوة الحقيقية للبنانيين في وحدتهم وتضامنهم وفي دفاعهم عن لبنان وفي قدرتهم على أن يحترموا دستوره وليس من خلال معادلات أثبتت الأيام عدم صوابيتها.
* ماذا عن اليوم التالي؟ هل برأيك سيعلن “حزب الله” الانتصار إذا تم التوصل لاتفاق وقف النار؟
– هذا يعني أن نعود كما كنا من قبل. وكما يقول المثل العامي “اللي جرب المجرّب بيكون عقله مخرّب”، وبالتالي آن لنا أن نستخلص العِبر والدروس مما مررنا به، فلم يعد من الممكن استغفال اللبنانيين بأشياء معينة شهدوها بأنفسهم.
ومن دون أدنى شك عندما تحوّل “حزب الله” إلى أن يصبح جيشاً، نحن نعلم أنه غير قادر على أن يكون متوازياً مع القوة النارية والجوية والتكنولوجية والاستخباراتية الإسرائيلية. وعندما يصدّ الحزب حالياً الهجمات البرية، فإنه يحقق انجازاً حيث يدافع عن أرضٍ يعرفها ويوجد فيها. لكن الآن وبعد كل ما حدث، علينا العودة للطريق الصحيح، فقد دخلنا في “أزقة وزواريب” وعلينا العودة للطريق الواسعة، وهو الانقياد لِما يحتّمه الدستور ويؤكد عليه اتفاق الطائف ومصلحة الدولة وعودة سلطة القانون والنظام.
وحالة الانكار يجب أن تصل إلى نهايتها، فهناك أمور حدثت بالسابق، ومنها مثال وتجربة: الرئيس عبد الناصر بعد عام 1967 وَقَفَ واعترف بأنه حدثت مشكلة وهذه نتيجتها، وعلينا أن نتعلّم الدروس منها. كما أن (الإمام) الخميني قام بتجربة، وقال بعدها…”انا أريد تجرُّع كأس السم”. ونحن علينا أيضاً تعلّم الدروس كي نحمي لبنان، وألا نعود للإعلان “نحن انتصرنا”. لا يجوز أن نلجأ مجدداً للاستخفاف بعقول اللبنانيين أو بمصالحهم ومستقبلهم.
* مَن يعوق فعلياً انتخاب رئيس جمهورية؟ وهل تتوقع أن يحصل ضغط عالمي لانتخاب رئيس مصحوب بالتلويح بعقوبات؟
– أتمنى ألا نصل إلى هذه المرحلة. لا يمكن إعادة تكوين مؤسساتنا الدستورية إذا لم يحصل انتخاب رئيس جمهورية، وأن تتألف حكومة مسؤولة أمام اللبنانيين، وأمام المجتمعين العربي والدولي. حتى بالنسبة لتطبيق الـ 1701 فمَن سيأخذ على عاتقه أن يؤكد للمجتمع الدولي أننا نحن المسؤولون والذين سنتحمل المسؤولية واننا نحن مَن سينفذ القرار؟
آن لنا استعادة الثقة المتبادلة بيننا وبين أشقائنا والعالم. وتالياً قبل أن نصل إلى مرحلة العقوبات، من الأجدر بنا أن نعرف أين مصلحتنا. وهل تستمر أوضاعنا مثلما هي الآن؟ ومَن سينقذ لبنان؟
ما أنقذ لبنان في 2006 أن اللبنانيين اجتمعوا وكوّنوا هذا الموقف الموحّد، وأيضاً ما قامت الحكومة، وبسالة المقاومة، كلها أدت إلى هذا المجموع المتضامن المتكافل مع بعضه البعض إلى أن وصلْنا إلى ما وصلنا إليه. واستطعْنا أن نعيد التلاميذ إلى المدارس في بداية نوفمبر 2006 بما فيه الجنوب والمناطق التي دُمرت.
الوضع الآن أخطر مما كان عليه في 2006، وبالتالي يقتضي من اللبنانيين ومن المسؤولين، وأيضاً من المعنيين لدى “حزب الله” استخلاص العِبر، كي يعود “حزب الله” حزباً سياسياً، له الحق أن يمارس عمله السياسي وأن يدافع عن وجهة نظره من خلال مؤسساتنا الديمقراطية.
أما الإصرار على أن يستمر بسلاحه، فهذا الأمر لم يؤد إلى نتيجة إلا المزيد من الأضرار التي لحقت باللبنانيين.
* هل ترون أن قائد الجيش العماد جوزف عون يحظى بإجماعٍ يؤهله للرئاسة؟
– لست مؤهلاً الإجابة عن هذا السؤال. أنا لست عضواً في مجلس النواب ولا أَنتخب. كل ما أريد قوله إنه يجب المسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية على الأسس التي يحددها الدستور.
وليس هناك إمكانية للخروج من المأزق الذي أصبحنا فيه، ما دام هذا التعطيل والتذاكي مستمراً على اللبنانيين ومعه الكلام عن أننا نريد رئيس جمهورية يحمي ظهر المقاومة، رئيساً يتماشى مع ما تريده المقاومة.
نريد رئيس جمهورية يكون فعلياً رئيساً للدولة، وهو رمز وحدة الوطن، أي الذي يستطيع أن يَجمع اللبنانيين على حماية لبنان وعلى تحقيق النهوض المنشود.
رئيس جمهورية ليس فقط فوق كل السلطات، بل أيضاً لا يَلهث وراء مكاسب من هنا وهناك. رئيس جمهوريةٍ ليس كما يتصوّر البعض، يبحث عن حصة من “كم” وزير ونائب وموظف وغيره. ليس هذا رئيس جمهورية. رئيس جمهورية لديه سلاح نووي (سياسي) بأنه هو الذي يحمي لبنان من خلال أن يكون الحارسَ لتطبيق اتفاق الطائف والدستور. ومن خلال هذه الميزات يستطيع هو والحكومة التي تتمتع بثقة مجلس النواب، أن يدفعا نحو أن يستعيد لبنان ألَقَه ودوره بين أشقائه وفي العالم.
* هل تعتقدون أنه آن الأوان أو أن الظروف اكتملت لعودة الرئيس سعد الحريري للبنان وانخراطه مجدداً في مسار السلطة والحكم؟
– لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال. أنا كنتُ أتمنى ألا يعتكف الرئيس الحريري، وأنه كان بالإمكان أن يكون هناك أسلوب معيّن يُعتمد كي يستمرّ، لأن لديه محبة لدى اللبنانيين. فهو ابن رفيق الحريري، وبالتالي لديه الرمزية التي
ليست موجودة لدى أحد آخَر… ومتى يقرر هو العودة؟ أنا لا أستطيع أن أجيب عن ذلك.