خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
سيستمر حبس الأنفاس لغاية الإعلان الرسمي عن التوصل لاتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل. تكمن الشياطين في ربع الساعة الأخيرة؛ ولا يقلل من ذلك أن كل المعلومات تؤكد بأن ما يمكن تسميته “بتميمة ترامب” نجحت في طرد الشياطين من ثنايا سطور بنود الاتفاق الـ١٣ بنداً، والمرفق بورقة موازية تتضمن الضمانات الأميركية لإسرائيل.
ما تم كشفه عن مضمون الاتفاق لا يفصح عن كل تفاصيله.. ويؤكد البعض أن هناك تفاصيل وتعهدات وصفقات بداخله لن يتم الكشف عنها خلال المدى المرئي أو حتى المتوسط. ولكن بمقابل أنه ليس بالإمكان معرفة كل ما يقوله الاتفاق فإنه – بالاستنتاج – يمكن معرفة ما الذي لا يريده الاتفاق؛ وما الذي لا يوافق عليه الاتفاق: مثلاً هذا الاتفاق الوشيك لن يقبل ضامنوه هذه المرة أن يكون بمفاعيله تكراراً لتجربة الكيفية التي طبيق فيها الـ١٧٠١ بعد حرب العام ٢٠٠٦؛ حيث آنذاك جرى تنفيذ بند واحد من القرار ١٧٠١ وهو وقف الأعمال العدائية، فيما كل بنوده الأخرى الأكثر أهمية لم تنفذ؛ وجرى تعايش الجميع مع واقع عدم تنفيذها.
ومنذ العام ٢٠٠٦ لغاية أكتوبر ٢٠٢٣ جرى مساكنة عميقة بين الواقع القائم على عدم تنفيذ القرار ١٧٠١ من جهة وبين القوى الموجودة على أرض هذا الواقع أو تلك المعنية مباشرة بالقرار، وعلى رأس هذه القوى حزب الله وإسرائيل ومجلس الأمن.
والواقع أن السبب الذي قاد لهذه المساكنة تكمن في أن الطرفين المتصارعين (الحزب وإسرائيل) وجدا أنهما لا يحتاجان/ ولا يريدان تنفيذ القرار ١٧٠١؛ أما قوات اليونيفيل فقد رأت من جهتها أنه لماذا عليها أن تكون ملكية التشدد بتنفيذ القرار أكثر من الملك الذي هو هنا في هذه الحالة، مجلس الأمن وطرفا الصراع والمجتمع الدولي؟!
كانت إسرائيل قد وافقت على القرار ١٧٠١ عام ٢٠٠٦ لكون واشنطن رأت أنه يجب وقف الحرب حينها والتركيز على استخلاص العبر من نتائجها. وما حدث حينها أنه بعد انتهاء حرب تموز ٢٠٠٦ أرسل البنتاغون إلى إسرائيل العديد من لجان التحقيق التي تريد معرفة السبب الذي أدى إلى عدم النجاح بالقضاء على حزب الله. وحملت معها هذه اللجان التي قابلت عشرات الضباط الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب، أسئلة محددة تريد معرفة النقاط التالية المطروحة على مستوى البنتاغون: ما السر وراء أن حزب الله مارس تكتيكات حربية غير تلك التي اعتمدها المجاهدون في أفغانستان وفي العراق؛ أيضاً ما السر وراء أن الحزب قاتل ليس على طريقة “اضرب واهرب”، بل خاض مواجهات مباشرة دام بعضها نحو ١٢ ساعة؛ أضف أيضاً: كيف نجح الحزب في قنص الميركافا ومدرعات الجيش الإسرائيلي المتطورة؟؟.
كان الهدف من تجميع أجوبة عن كل هذه الأسئلة هو بناء منظومة حرب تقوم في توقيت لاحق (تم تحديده حينذاك: قبل العام 2026) بشن حرب هدفها مسح آثار فشل القضاء على حزب الله في حرب العام ٢٠٠٦.
قصارى القول في هذا المجال أن كلاً من أميركا وإسرائيل خرجا عام ٢٠٠٦ من الحرب على حزب الله؛ بقرار يقول إنهما سيعودا للحرب معه في توقيت لاحق وبعد أن تتم دراسة أسباب قوته التي تمايز بها حينها عن مثيلاته من القوى التي تقاتل كمنظمات شبة نظامية (طالبان في أفغانستان والمقاومة في العراق).. ومن هنا لم يكن هناك تركيز جدي من جانب واشنطن أو تل أبيب على التشدد بتنفيذ بنود القرار ١٧٠١؛ لأن الأولوية لديهما هو لتنشيط حركة تجسسهما على حزب الله ولبناء منظومة حرب قادرة على التعامل مع مزايا قوته وضربها.
من جهته حزب الله لم يكن لديه مصلحة استراتيجية بتنفيذ (بخاصة) البند الثامن من القرار ١٧٠١ المتمثل بالانسحاب من منطقة الحدود مع فلسطين المحتلة؛ لأن قيامه بهذا الأمر سيضر بعلة وجود سلاحه، وهي أنه مقاومة لإسرائيل وأنه يتمركز على خط المواجهة معها.
.. بالمقابل فإن اليونيفيل عاشت طوال الفترة الماضية على نظرية توفيقية بين الموجود والممكن؛ ويقول فحواها إنه لا حاجة للتورط بمشكلة إخراج حزب الله وسلاحه من منطقة عمليات الـ١٧٠١؛ تماماً كما أنه لا حاجة للتورط بمشكلة منع إسرائيل من خرق القرار ١٧٠١.
وبخصوص حزب الله أنتجت دول اليونيفيل تبريراً يقول إنه طالما أن حزب الله لا يظهر سلاحه في منطقة عملياتها فإنه تستطيع (أي قوة اليونيفيل) أن تعتبره غير موجود؛ وهكذا يمكن القول نظرياً إن المادة الثامنة من القرار ١٧٠١ منفذة.
والواقع أن هذه المقولة بات لها منزلة النظرية المعتمدة التي يقول اختصارها “كل شيء غير ظاهر غير موجود”؛ وهذا الواقع غير الظاهر هو حال حزب الله في منطقة الـ١٧٠١؛ وعليه يمكن اعتباره غير موجود.
وأراد الجميع أن يصدق أن قوة القرار ١٧٠١ هي في عدم تنفيذه؛ ولم يتم انهيار كل هذا المبنى إلا بعد اصطدام أمن كل المنطقة بتسونامي طوفان الأقصى؛ وبات الشرط الرئيس الآن من قبل المجتمع الدولي ليس الاتفاق مجدداً على مرجعية القرار ١٧٠١؛ بل على وضع آليات تحتم الالتزام بتطبيق القرار ١٧٠١. ومنذ أيام يجري التفاوض على كيفية تطبيق هذا القرار، وعلى عدم العودة إلى فترة المساكنة التي نشأت في جنوب خط الليطاني بين وجوده وعدم تنفيذه..