خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
لم يكن مفاجئاً هجوم فصائل منطقة غرب شرق سورية على منطقة غرب حلب. منذ عدة أشهر برز بشكل تصاعدي ومحموم في الخطاب والإعلام الداخلي لـ”هيئة تحرير الشام و”الجيش الوطني السوري” ومجموعات معارضة أخرى، أنها تستعد لاحتلال حلب والعودة لهذه المدينة التي احتلتها خلال الأحداث السورية التي نشبت بعد العام ٢٠١١. وبعد اغتيال السيد حسن نصر الله اعتبرت هيئة تحرير الشام – وهي الفصيل الأكبر والأقوى داخل تحالف القوى الذي يخوض حالياً معركة غرب حلب ضد الجيش العربي السوري والقوى الحليفة له – أن هذا التطور يجب أن يدفع إلى تبكير بدء حربهم باتجاه حلب على اعتبار أن النظام السوري بات الآن بعد فقدانه أقوى حليف له هو في موقع ضعف عسكري استراتيجي في حربه مع الفصائل السورية المعارضة. أضف أن الإعلام الداخلي للهيئة بدأ يتحدث عن أنه نضجت موضوعياً لحظة بدء “شن حرب الثأر” على النظام السوري وعلى حليفه حزب الله الذي بات ضعيفاً وبات من دون قائده التاريخي!!
في هذه الأثناء كان يمكن لأي متابع أن يرسم مجموعة ملاحظات بخصوص المستجدات السورية، وارتباطها بما يحدث في لبنان وعلى نحو أوسع في كل المنطقة:
الملاحظة الأولى: بدا واضحاً أن مسار الصدام العسكري بين إسرائيل وحزب الله بدأ خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة – بقرار من نتنياهو- يأخذ منحى الانزلاق نحو تحوله إلى حرب شاملة؛ وأيضاً منحى التدرج الإسرائيلي بنقل الثقل العسكري من جبهة الجنوب في غزة إلى جبهة الشمال مع لبنان.
وفي ظل هذا التطور كانت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها في شمال سورية، يستمرون بتكثيف خطاب التحريض على بدء حرب حلب، ولكن بنفس الوقت بدا ملحوظاً أن هذه القوى دخلت خلال شهر أيلول الماضي على مستوى خطابها الإعلامي الداخلي، “لحظة انتظار” ترقباً لما سيحدث على جبهة إسرائيل مع حزب الله في لبنان. بمعنى آخر ظهر واضحاً أن الهيئة وحلفاءها قرروا تأخير “ساعة الصفر” حتى جلاء غبار حرب وشيكة ستشنها إسرائيل على حزب الله وسيكون لها تتمة في سورية.
وفي هذه الجزئية كان سهلاً ملاحظة أن الهيئة وحتى الفصائل الأخرى وبينها فصائل مؤيدة من تركيا، لا تريد وضع نفسها في صورة أنها تخوض حرباً ضد النظام السوري وضد وجود ايران العسكري في سوريا؛ في نفس الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرباً على حزب الله و”ضد ما تسميه النفوذ الإيراني العسكري في سورية ولبنان”.
.. ومن هنا لم يكن مستغرباً أن توقيت شن الحرب باتجاه حلب بدأ بعد انقضاء نحو أقل من ٧٢ ساعة من سريان وقف النار على جبهة إسرائيل – حزب الله.
الملاحظة الثانية: كان واضحاً خلال الأشهر الأخيرة أن تركيا تسعى جاهزة لأخذ صورة مصافحة بين الرئيسين أردوغان والأسد؛ وبنفس الوقت كان واضحاً أن الأسد حرص على تجنب التقاط صورة مصالحة مع أردوغان إلا بعد إعلان الأخير انسحاب تركيا من الأراضي التي تتواجد فيها عسكرياً في سورية.
وبالمحصلة فشل الجهد الروسي بتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة؛ وبدل ذلك انخرطت تركيا بشكل من الأشكال في دعم حملة الضغط العسكري الذي تتم اليوم ممارسته على النظام في حلب.
والواقع ما يريده أردوغان واضح وهو أن يحجز له عند تسلم ترامب موعداً ليناقش معه ترتيبات مستقبل الوضع السوري؛ وعليه فهو كان يريد قبل هذا اللقاء إظهار أنه متفاهم مع الأسد ومن جهة أخرى لديه دالة على المعارضة السورية التي استعادت حيويتها العسكرية؛ أضف إلى دوره في إطار الاستانا؛ ما يعني أنه يمكنه – أي أردوغان – أن يؤدي دور “عراب تفاهم” وراء الكواليس بين ترامب وإيران، وأيضاً بين ترامب والأسد وبوتين..
خلاصة القول هنا إن أردوغان يريد مع بدء فترة ولاية ترامب المصحوبة باحتمالات قيام الأخير بالانسحاب العسكري من سورية، أن يصبح هو مفتاح الحل السياسي في سورية بين المعارضة المسلحة وبين الدولة السورية؛ وأن تصبح تركيا أيضاً هي الدولة المولجة بموجب التسوية العتيدة من قبل إدارة ترامب، بترتيب الوضع المعقد في منطقة الشمال السوري؛ وهي المولجة بالإشراف على الترتيبات الأمنية على الحدود السورية مع العراق ومع تركيا؛ وذلك بمثلما أن أميركا أعطت إسرائيل رخصة بالتدخل عسكرياً على الحدود اللبنانية السورية تحت مسوغ حماية أمنها (أي أمن إسرائيل).
الملاحظة الثالثة التي كان يمكن تلمسها منذ أشهر وأصبحت الآن أوضح هي التالية: كلما زاد الضغط العسكري على حزب الله في لبنان يرتفع منسوب توقع انفجار الحرب بين فصائل شمال سورية وريف حلب المعارضين وبين النظام السوري؛ وذلك وفق معادلة أن المعارضة المسلحة السورية تصبح أكثر قدرة على العودة لقتال النظام السوري كلما تراجعت قدرة الحزب أكثر على التدخل عسكرياً في سورية.
وضمن نفس هذه المعادلة؛ صار يمكن الآن توقع أن حرب جبهة تهديد حلب ستستمر؛ وهي ستترافق زمنياً وجيوسياسياً مع استمرار فتح جبهتين إثنتين:
الجبهة الأولى هي جبهة استمرار الضغط العسكري الإسرائيلي على حزب الله في لبنان؛ وذلك في مرحلة مع بعد توقيع اتفاق تنفيذ القرار ١٧٠١.
وهذه الحرب الجديدة لن تأخذ بطبيعة الحال وضعية الحرب الشاملة، بل وضعية أن تهدد إسرائيل الحزب ولبنان بالعودة للحرب الشاملة في حال لم يتخل حزب الله عن أمرين إثنين:
الأول- الاستمرار بالتسلح وتخزين السلاح خاصة الدقيق منه؛ الثاني- استمرار الحزب بالقيام بأدوار عسكرية إقليمية؛ وخاصة في سورية التي هي وفق رؤية نتنياهو تشكل الأوكسجين للحزب.
بهذا المعنى يبدو واضحاً أن الحرب العائدة في سورية تتضمن بشق من معادلتها نوايا مهاجمة “رئة الأوكسجين الخاصة بحزب الله”.
أضف هنا أن توجيه الحرب ضد النظام السوري لتتركز على جبهة حلب سوف يجبر حلفاء النظام على نقل ثقلهم من منطقة الصراع الإسرائيلي، أي من جنوب دمشق الملاصقة للحدود مع الجولان المحتل إلى مناطق شمال سورية؛ وهذا ما تريده إسرائيل، وهو محل توافق عليه مع موسكو.
آخر ملاحظة – وليس الأخيرة – تتعلق بروسيا والرسالة التي وصلت إليها من هجوم هيئة تحرير الشام وحلفائها على جنوب حلب. فحوى الرسالة تحذيري ويضع بوتين أمام احتمال أنه ينزلق نحو القتال على جبهتين الأولى أوكرانيا والثانية سورية.. والهدف من لفت نظر بوتين إلى هذه الحقيقة هو إفهامه بأنه قادم على موسم تنازلات لإسرائيل ولأميركا في سورية، وتنازلات لإدارة ترامب وللأوروبيين في أوكرانيا، كسبيل وحيد لنجاحه في اطفاء حصار النيران الذي يطبق عليه!!