خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يشبه انهيار خط الدفاع عن حلب الانهيار السريع للدولة العراقية عندما اندفعت داعش باتجاه الأنبار في عز أحداث الحرب السورية. ولم يكن ممكناً الاعتقاد حينها أن مواكب مسلحي داعش قطعت مئات الكيلومترات نحو هدفها في الأنبار من دون أن تلحظها العيون الإلكترونية الأميركية المتوضعة قريباً من مكان الحدث؛ وعليه ثار السؤال حينها عما إذا كانت واشنطن لسبب ما غضت الطرف عن الهجوم الداعشي على الأنبار؟؟.
واليوم يثار نفس السؤال حول ما إذا كانت القوات الروسية تقصدت في بداية الأمر – ولسبب ما – غض الطرف عن هجوم هيئة تحرير الشام إلى حلب؟؟..
لقد سافر الرئيس السوري بشار الأسد أمس على عجل إلى موسكو طالباً التدخل العسكري الروسي لاستعادة حلب أو لضمان عدم استقرار الميليشيات الحليفة لتركيا بها؛ وانتهت الزيارة على بيان أصدرته موسكو قوامه أنها تدعم حرب الدولة السورية لاستعادة حلب ويتهم أنقرة بأنها حنثت بتوقيعها على اتفاقات إطار استانا وسوشي…
بنفس الليلة كانت أصداء الغارة الإسرائيلية على القصير السورية التي تقول تل أبيب انه يوجد فيها بنى عسكرية تابعة لحزب الله؛ تسمع في أجواء القطاع الغربي من ريف حلب.
.. كل هذه التطورات حصلت بغضون ٢٤ ساعة؛ ما يعني أن كل أحداث حرب حلب كانت مخططة بانتظار ساعة الصفر؛ وذلك من قبل كل الجهات الداخلية والخارجية المنخرطة بها.
السؤال الأول هل غضّت موسكو الطرف عن وصول المعارضة التركية لحلب أو لمشارفها، ثم استجابت لطلب الأسد بإغاثة الجيش السوري لاستعادتها؟؟ ولماذا فعلت موسكو هذا؟؟.
هناك وجهة نظر تقول ان موسكو تؤيد الانفتاح العربي وبخاصة الخليجي على النظام السوري؛ ولكنها تريد لهذا الانفتاح أن يتم وفق معادلة روسيا في سورية وليس خارج مصالح هذه المعادلة. وربما بوتين يريد في المرحلة القادمة محاكاة عقيدة ترامب التي تطلب ثمناً للحماية؛ بمعنى آخر قد يكون بوتين يعرض بشكل مباشر على الخليجيين أن يتفاوضوا معه على ثمن حماية دمشق من تركيا وأيضاً إذا رغب العرب من الهيمنة الإيرانية.. بكل حال تم ليلة أمس صياغة بيان روسي شديد الحزم في رفضه القبول بأية نتائج عسكرية تركية تغير الوضع الذي نشأ في حلب وريفها، نتيجة توافق تركيا وروسيا والنظام على جعلها مقسمة بين مناطق تقع تحت سيطرة الدولة وأخرى تقع ضمن مناطق خفض التوتر..
.. وبهذا المعنى ستذهب روسيا لشن حرب إعادة الواقع في حلب إلى ما كان عليه قبل هجوم “قوات ردع العدوان” الحليفة لتركيا عليها.
.. وبالمقابل ستحاول أنقرة دعم بقاء سيطرة “قوات ردع العدوان” على حلب لتستخدم هذا الأمر كورقة ضغط لجلب الأسد للتفاوض مع أردوغان دون شروط مسبقة؛ وكي يتم طرح الملف السوري من وجهة نظر أنقرة، وليس من وجهة نظر السعودية أو روسيا، حينما يلتقي أردوغان بالرئيس ترامب.
السؤال هو ماذا سيفعل العرب تجاه الحدث السوري الراهن، خاصة وأنه يهدد بعودة الحرب إلى سورية، مما يعني أن الجهد العربي الأخير الذي قادته السعودية؛ والذي دعمته مصر ودولة الإمارات، والذي عمل لاستعادة سورية إلى الحضن العربي؛ لم يشكل حصانة عربية لسورية ضد تدخلات الإقليميين غير العرب فيها.
والواقع أن سورية تتلقى النار في هذه اللحظة من ثلاثة قوى يفترض أنها ستثير قلق الأمن العربي:
الجهة الأولى هي تركيا التي تريد تفاوضاً تحت النار مع النظام السوري.
الجهة الثانية هي إسرائيل التي تريد جر النظام السوري إلى معادلة الشرق الأوسط البيبي (نسبة لنتنياهو) ويريد فرض حصار على طرق إمداد حزب الله بالسلاح الإيراني عن طريق سورية.
الجهة الثالثة هي القوى الإسلامية العسكرية المتحدرة من سلالات القاعدة وداعش؛ ما يوحي بعودة مشهد توسع انتشار هذه الجماعات الإسلامية التكفيرية إلى خارج سورية، فيما لو نجحت بالتمركز في حلب وريفها..