خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
بغض النظر عن مدى دقة المقولة التي ترى أن هجوم المعارضة الكبير في شمال سورية، هو نتاج تواطؤ تركي مع إسرائيل؛ فإن المحصلة العملية لهذا الهجوم تخدم الكثير من أهداف إسرائيل. وليلة أمس حدد نتنياهو جوانب الصلة التي تربط بين ما يحدث في سورية وبين ما أسماه “أمن إسرائيل”؛ فوجد أنها تقع في عدة أمور أبرزها أمرين إثنين: الأول تأثير ما يحدث في سورية على تهريب السلاح عبر الأراضي السورية إلى حزب الله؛ الثاني تأثير عودة الحرب في سورية على ما قد يحدث في منطقة جنوب دمشق الحدودية مع الجولان.
والواقع أن ما يذكره نتنياهو أعلاه هو فحوى الذرائع التي يريد التحجج بها حتى يبرر تدخله في الحرب العائدة إلى سورية: بنفس الوقت الذي كانت فيه “ميليشيات غرفة عمليات هجوم ردع العدوان” (التسمية التي أطلقتها فصائل شمال سورية على هجوم المعارضة المسلحة) تتقدم باتجاه مدينة حماه التي يوجد بعدها حمص القريبة من الحدود السورية اللبنانية؛ كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على منطقة القصير في محافظة حمص بدعوى أنها تستهدف أسلحة للحزب.
.. كان واضحاً أن هذه الغارة الإسرائيلية بالتحديد التي تزامنت مع هجوم الميليشيات السورية المسلحة، أرادت تل أبيب من ورائها القول ان تكثيف عملها العسكري في سورية بعد وقف النار في لبنان؛ هو رسالة للإقليم بأن إسرائيل تعتبر هجماتها في سورية بمثابة استكمال لمهمتها الحربية التي بدأتها قي لبنان والتي علقت استكمالها لشهرين هما مساحة اختبار لفحص جدية التزام حكومة لبنان وحزب الله بتطبيق القرار ١٧٠١.. وبحسب ما كشفه نتنياهو فإن مهمة استكمال حرب لبنان بشن حرب غارات متواصلة على سورية؛ إنما هدفها هو “قطع الأوكسجين السوري عن حزب الله”، كمقدمة لخنقة بفصله عن بعده الجيوسياسي وقطع طريق إمداد الأسلحة عنه.
والواقع أن إعادة ترتيب الأحداث منذ الليلة التي سبقت فجر وقف النار بين لبنان وإسرائيل لغاية اندلاع أحداث سورية الحالية، تبين أن ما يحدث هو أمر خطط له في ليل، وليس مجرد تراكمات أدت تلقائياً لانفجار البركان العسكري في شمال سورية: رأس خيط تسلسل توقيتات الانفجار العسكري السوري بدأ بتصريح نتنياهو عن قطع الأوكسجين السوري عن حزب الله، وجاء توقيته في الليلة التي سبقت فجر بدء وقف النار مع لبنان؛ وبخلاله حذر نتنياهو الرئيس السوري من اللعب بالنار (أي حذره من عدم الخضوع لطلب إسرائيل بمنع تمرير السلاح الإيراني لحزب الله عبر الأراضي السورية).. وبعد مرور دقائق من إعلان نتنياهو هذا، وقبل وقت قصير جداً من بدء سريان وقف النار بين لبنان وإسرائيل؛ أغار الطيران الإسرائيلي على كل نقاط العبور بين لبنان وسورية على طول حدود البلدين البرية؛ ثم بعد مضي ساعة فقط على وقف النار بدأ هجوم المعارضة السورية المسلحة الكبير باتجاه حلب ومدن شمال سورية.
هذا التتالي بالتوقيت يظهر أن وقف النار في لبنان تلاه فتح النار الإسرائيلية على منطقة حمص وريف دمشق؛ ثم تلا ذلك فتح جبهة حلب وشمال سورية من قبل فصائل الشمال السوري التي لا يربط بينها إلا أمر واحد وهو دالة تركيا عليها.
ربما كان موضوع تسلح حزب الله هو أحد أهداف العدوان الإسرائيلي على سورية ولكن هذا الهدف لا يختزل كل الأهداف الإسرائيلية في سورية. فنتنياهو جاد في متابعة خطته لرسم دور إسرائيلي جديد في الشرق الأوسط؛ وهو لتحقيق ذلك يبحث عن تقاطعات إقليمية بحيث تصبح تل أبيب عاصمة تشد إليها دول الإقليم من خلال تنويع أسباب تحالفاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة..