خاص الهديل…
لا شك أن إطلاق الرصاصة الأولى على جبهة الشمال السوري كان لها ارتباطاً عميقاً مع وقف إطلاق النار في لبنان، حيث تشير جميع المعطيات إلى هذا الرابط بوضوح؛ وذلك بدءاً من مصلحة إسرائيل في تعزيز وجودها في الأجواء السورية، ومحاولاتها المستمرة لإضعاف النظام السوري تحت مبررات متعددة، وصولاً إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها خططاً لتعديل موازين القوى في المنطقة، بما يشمل القضاء على إيران وحلفائها، مروراً بالتهديد الذي أطلقه خلال خطابه عن الاتفاق على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، والذي حذر فيه الرئيس السوري بشار الأسد من اللعب بالنار!!
ثم كانت المفاجأة التي لا يمكن أن تكون محض صدفة، حين سيطرت جماعات مسلحة وبغضون ساعات قليلة على مناطق في حلب وإدلب وصولاً لتخوم محافظة حماة، مما يعكس بشكل جلي التداخل المعقد للمصالح في المنطقة، حيث تدعم قوى فاعلة أخرى هذه الجماعات المسلحة ولها وجود مباشر على الأرض السورية.
يمكن القول، إن إسرائيل، التي تدعي أنها تراقب الوضع في سوريا فقط ولا تتدخل بشكل مباشر، تسعى بوضوح لتضليل المجتمع الدولي. فالمؤكد أنها تعمل على تقليص نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، خاصةً بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله وما تلاها من أحداث في غزة؛ فالهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة ضد الجيش السوري والجماعات الموالية لإيران يكشف عن جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة، تمهيداً للتفاهم مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن تسويات تشمل القضايا الشرق أوسطية وحرب روسيا ضد أوكرانيا.
ما يجري في سوريا يمثل خطوة نحو تحقيق مشاريع استراتيجية كبيرة في المنطقة، حيث يتقاطع مع رغبة إسرائيل في تقليص الإمدادات التي تصل إلى حزب الله عبر سوريا. فإسرائيل تعتبر أن الأحداث الأخيرة في غزة تمثل فرصة سانحة لمواصلة تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، خصوصاً مع قناعة روسيا بعدم إمكانية تمدد الأحداث إلى أبعد من الشمال السوري والساحل ودمشق والجولان، في وقت تشهد فيه أوكرانيا تصعيداً متزايداً في حربها مع روسيا.
من جهة أخرى، ترى الولايات المتحدة وإسرائيل أن تركيا لن تجرؤ على التصادم مع مناطق النفوذ الروسي، ولن تسمح لها بالاقتراب من المناطق الكردية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومةِ منها؛ وعليه سيكون التركيز على المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري والقوات الإيرانية، وذلك في إطار تأمين مصالحها الإستراتيجية وضمان عودة اللاجئين السوريين.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من إعادة صياغة العلاقات السورية الإيرانية بطريقة مختلفة عما كانت عليه سابقاً، خاصةً في ظل التحديات التي واجهتها إيران في حرب غزة ولبنان؟ وبطريقة اخرى، هل ستكون سوريا على أعتاب مرحلة سياسية جديدة تختلف تماماً عما شهدته في السابق؟