خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
تثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الكثير من الأحلام بالنسبة لرؤساء في العالم كان الرئيس بايدن أحبط تطلعاتهم.. أحد هؤلاء الرؤساء رجب طيب أردوغان الذي كان اقترب عام ٢٠١٩ من إقناع سيد البيت الأبيض ترامب آنذاك، بأبرز هدفين له في سورية: موافقة واشنطن على فك تحالفها مع أكراد سورية؛ وترك ملف مكافحة داعش في سورية لتركيا.
يتوافق هذا العرض التركي مع تطلع ترامب الذي يريد سحب الجيش الأميركي من شرق الفرات، وكاد ترامب بالفعل أن يتخذ قرار الانسحاب العسكري من سورية وأن يعقد صفقة سورية مع أنقرة لولا رفض البنتاغون القوي للخروج من سورية.
اليوم، ومع عودة ترامب للرئاسة يعود أردوغان ويضع نفس العرض على طاولة البيت البيت الأبيض. وهناك هذه المرة تفاؤل بأن ترامب ٢٠٢٥ سيستطيع فرض إرادته بخصوص الانسحاب العسكري من سورية على البنتاغون وسيستطيع أيضاً زجر بوتين وجعله ينصاع لما تريده تركيا في سورية. عام ٢٠١٩، أي خلال ولايته الأولى كان ترامب بحاجة لآراء مؤسسات الحكم الأميركي لأنه لم يكن اكتسب خبرة قيادة العالم؛ حالياً لا يوجد حول ترامب من يستطيع أن يقول له: لا تفعل.. الجميع موجودن في مواقعهم لأنهم موالون للرئيس الأبيض القوي.
لا أحد يضمن أن لا يكون أردوغان مندفعاً في تفاؤله بخصوص أن الموانع التي حالت دون حصول الصفقة مع ترامب عام ٢٠١٩ ستحصل عام ٢٠٢٥. ومع ذلك تندفع أنقرة عبر حلفائها المنتظمين في نحو ١١ ميليشيا تابعة لها في شمال سورية، بشن عملية عسكرية كبيرة حققت حتى الآن نجاحات هامة أبرزها السيطرة على مدينة حلب وريفها.
.. إضافة لذهاب بايدن شديد التأييد للعلاقة الأميركية مع أكراد سورية؛ ومجيء ترامب الذي قد يكون مهتماً بإبرام صفقة رابحة في سورية، يستفيد أردوغان في مجال تمرير طموحاته السورية من وقائع ميدانية مستجدة هامة، أبرزها ظروف بوتين المنهك عسكرياً بالحرب الأوكرانية، وأيضاً واقع أن حلفاء طهران في سورية، وبخاصة حزب الله، تعرضوا لخسائر عسكرية ضخمة في الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان.
وبالمحصلة يريد أردوغان تفكيك كيان قسد الكردي في سورية ويريد إنشاء حزام أمني داخل الأراضي السورية بعمق ٣٠ كلم.. وأيضاً يريد إقناع جيران سورية واللاعبين الكبار فوق ساحتها بنظرية تقول ان تركيا هي أكبر متضرر من الأزمة السورية (٤ ملايين نازح سوري في تركيا) ولذلك يحق لها أن تكون اللاعب الأكبر في سورية وصاحبة الدور الأكبر في رسم مستقبل سورية السياسي.
خلال العام الماضي حاول أردوغان أن يفرض تطبيع سياسي على بشار الأسد الذي اشترط عودة العلاقة مع أردوغان بإعلان الأخير الانسحاب من الأراضي الموجود فيها بسورية. رفض أردوغان؛ فيما بوتين اكتفى بأن يكون ناقل رسائل بين دمشق وأنقرة، الأمر الذي ولد داخل عقل أردوغان قناعة بأن موسكو تؤيد تطبيع العلاقة بين تركيا وسورية، ولكنها بنفس الوقت تريد حفظ مكانة للأسد على الطاولة بمقابل أردوغان. مع بروز هذا التباين افترقت المصالح داخل سورية بين أنقرة وموسكو؛ ووضع أردوغان خطة تحريك جبهة شمال سورية على نحو حرص فيها على أن لا يتورط بالمشاركة العسكرية المباشرة فيها، حتى يتجنب الصدام المباشر مع روسيا وإيران والجيش السوري.
صحيح أن “هيئة تحرير الشام” هي قوة كبيرة وامتلكت في الآونة الأخيرة تسليحاً معتبراً؛ لكنها ستجد صعوبة مع مرور الوقت بمواجهة الجيش السوري الأكثر عدداً، والمدعوم من حلفائه المنقادين من إيران، إضافة لسلاحي الجو الروسي والسوري، الخ..؛ وبموجب معايير القوى هذه، يصبح غير مستبعد أن يسبق اتساع المواجهة العسكرية في سورية، مسار الصفقة التركية مع ترامب؛ بمعنى أن تتجه المواجهة العسكرية نحو تصعيد يؤدي بتركيا إلى الانزلاق المباشر بهذه الحرب بدل الاستمرار بخوضها بالواسطة؛ وحينها سيصبح مطلب البنتاغون زيادة عدد القوات الأميركية شرق الفرات بدل انسحابها؛ وسيصبح مطلب البيت الأبيض دعم حليف واشنطن الكردي عسكرياً، بدل مقايضته بصفقة مع أردوغان، خاصة بعد أن يتضح لترامب أن صفقة أردوغان لا تؤدي إلى مرابح في سورية، بل تؤدي لإشعال حرب؛ وبنفس الوقت لا تفضي لتحقيق السيناريو التركي الأساسي الذي يفترض أنه يمكن لترامب أن يعقد الصفقة الرابحة مع أردوغان التي فشل في عقدها عام ٢٠١٩.