خاص الهديل….
تتسارع الأحداث في سوريا، وكأنها طفل “شبط” في لعبة، وأن هذه اللعبة هي ساحة شطرنج تتنقل فيها الدول الكبرى بأيدٍ غير مرئية، حيث تتحكم كل حركة بمصير طويل الأمد!
الخائفون على سوريا من التقسيم، والمتهمون للمعارضة بالعمالة، لا يوجهون حديثهم واتهاماتهم لمن هم على أرض الواقع، فالكلام اليوم بات موجهاً لمن يديرون اللعبة من الخارج؛ ومن في يدهم مفاتيح خارطة النفوذ الجديدة.. وبذلك يعود جرحٌ جديد ظن السورييون أنه التئم، وتعود بذلك الحرب السورية إلى الواجهة الإقليمية من جديد؛ حربٌ مستمرة منذ أكثر من عقد، كأنها قدر مكتوب على الجبين، وأن التفكير في إنقاذ البلاد يسبقه الوضع في الحسبان ذلك.
لم تُظهِر خريطة النفوذ العسكري في سورية حتى نهاية عام 2022 أيَّ تغيُّر في حدود السيطرة وخطوط التماسّ بين القوى المحلية على الأرض، وبقيت نِسَب السيطرة ثابتة كلياً بين أطراف النزاع في سوريّة، والتي تمَّ تسجيلها نهاية شباط/ فبراير 2020.
وبموجب اتفاق وَقْف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في 5 آذار/ مارس 2020 شهدت الخريطة السورية أطول فترة تهدئة منذ اندلاع النزاع، أي 33 شهراً، بقيت فيها مناطق السيطرة ثابتة بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة السورية وقوات سوريا الديمقراطية.
الآن تغيرت المعادلة، وكأن الخريطة السورية عبارة عن كعكة قد استوت في فرن حاكميها، وأصبحت جاهزة للتقسيم.. بدأت المعادلة تتغير بالهجوم المفاجئ التي شنته المعارضة السورية، والمتمثلةِ بهيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المتحالفة معها على مدن حلب وإدلب والآن المواجهة المحتدمة على تخوم حماة والتي يُعتقد بأن الروس لن يتخلوا عن معظمها، لانها تحت نفوذها وممنوعٌ أن تتجاوز قوى المعارضة خطها التي رسمته..
هذا الهجوم الذي شنته الهيئة – جبهة النصر سابقاً – يثير القلق، فالتطمينات التي ينثر بها أبو محمد الجولاني – قائد الهيئة – تبدو غريبة على شخص كان يحكم جبهة النصرة سابقا، وما كانت تحمله الجبهة من عقلية دموية.. اليوم تغير المشهد وأصبح الجولاني يظهر بصورة الرجل المثالي، والذي يدعو أهالي حلب والمدن التي يسيطر عليها الإطمئنان، والغريب أكثر هو دعوته بأنه يفكر في حل هيئة تحرير الشام، وأن حلب ستديرها هيئة انتقالية، وطلبه بالأمس من جميع فصائل المعارضة بمغادرة المناطق المدنية التي ستسيطر عليها في الأسابيع المقبلة؛ وأيضاً حديثه عن عودة موظفي الحكومة لاستئناف عملهم، وبأنه سيتم احترام كافة الأعراف الاجتماعية والثقافية للمدن بين جميع الطوائف.
من هنا يبدو أن الفكر الذي انتقل منه الجولاني من العقلية التي كانت تسيطر عليه مع جبهة النصرة.. باتت أشبه بعقلية رجلٍ سياسي، يريد أن ينتقل بالمناطق التي يسيطر وسيسيطر عليها إلى مدن نموذجية تحت قيادته! وبالتأكيد بدعم خارجي؛ لكن السؤال من أعطى الضوء الأخضر للجولاني فيما يجري؟!
عندما نرى التحرك العسكري لهيئة تحرير الشام جنوباً نحو حماة، وتزامناً تحرك الفصائل المدعومة من أنقرة نحو الريف الشرقي من حلب، أي مدينة تل رفعت الاستراتيجية، والتي انسحبت منها قوات سوريا الديمقراطية نتيجة اتفاق تركي أمريكي، وأيضاً الهجوم التي تشنه قسد بغطاءٍ من التحالف الدولي للسيطرة على القرى السبع من الناحية الشرقية لضفة نهر الفرات، والتي تسيطر عليها قوات الحكومة السورية وبعض الفصائل الإيرانية.. فنحن أمام مشهدية جديدة ستسيطر على الجغرافية السورية!
تل رفعت المدينة الاستراتيجية، لم تأتي السيطرة عليها، بدون تخطيط مُسبق، فهي لطالما كانت تحت أنظار تركيا وفصائلها، ولطالما كان يهدد الرئيس التركي بالسيطرة عليها وعلى مدينة منبج الاستراتيجية من القوات الكردية المتواجدة فيها؛ وعليه فإن أهمية السيطرة الآن على مدينة تل رفعت له عدة أهميات لدى الفصائل المعارضة، أولاً، تمكنهم من التوجه نحو مناطق اخرى – أبرزها منبج – تصل إلى نهر الفرات، وثانياً تقليص المساحات الخاضعة لقسد (وبذلك يكون أفشل مخطط القوى الكُردية بإقامة ممر لوجستي يربطها بمنبج).
أما فيما يتعلق بالمناطق التي بدأت قسد بالهجوم للسيطرة عليها في ريف دير الزور – القرى السبع – وإخراج القوات الموجودة فيها نحو الضفة الغربية لنهر الفرات؛ يتضح للمراقب أننا أمام مشهد جديد للجغرافية السورية، وكل هذا بطلب كل الدول التي تهيمن على القوى التي تعمل لصالحها على الأرض.
فهل بتنا اليوم وفي خضام ما يجري من أحداث متسارعة في سورية؛ متوجهون نحو التقسيم، بمناطق نفوذ ثلاثة لا رابع لهما.. الحكومة السورية في الساحل والوسط والجنوب السوري، والمعارضة وفصائلها في الشمال حلب وإدلب، والكُرد في شرق الفرات، أم هنالك سيناريوهات اخرى تُعد في مطابخ من يسيطرون على المشهد السوري من دول خارجية؟