إيران تسلّم بسقوط الأسد ومطالبات بالمليارات المنفقة في سوريا
حتى يوم الخميس، كانت إيران تدعم نظام الرئيس بشار الأسد بالكامل، وكانت السلطات الرسمية ووسائل الإعلام التابعة لها، تنعت معارضيه بالإرهابيين وتدّعي بأن هذا التمرد العسكري سيكون مآله الفشل، حتى أنها كانت تنفي الأنباء التي تتحدث عن انسحاب القوات الإيرانية من دمشق. ولكن قبل ثلاثة أيام فقط، نفذت هيئة الإذاعة والتلفزيون الايرانية استدارة ملموسة، لتستخدم مصطلح “المعارضين المسلحين” عوضاً عن “الإرهابيين التكفيريين” المعارضين للأسد. إن هذا التغيير في الأسلوب الإعلامي والدعائي والذي تزامن مع المحادثات الديبلوماسية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أظهر أن المستوى الرئيسي لصنع القرار في إيران قد أدرك أن انهيار النظام السوري بات وشيكاً، وأنه لم يعد يجوز اللعب في الأرض المحروقة لبشار الأسد.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن إيران سحبت قواتها من دمشق. ومع ذلك، يبدو أن السقوط السريع لدمشق فاجأ طهران. فعشية وصول المعارضة الى العاصمة، قال الوكيل الأسبق لوزير الخارجية الايراني جواد لاريجاني أن الحكم السوري لن ينهار، وأن ايران ستدافع عن الأسد مهما كلف الأمر، وهو ما أعاد إلى الأذهان توقعات القائد الأسبق للحرس الثوري الايراني محسن رضائي قبل 20 عاماً، وإبان الحرب الأميركية على صدام حسين، بأن أميركا ستُهزم في تلك الحرب.
وتعقيباً على التطورات الأخيرة في سوريا، وجّه عدد من أعضاء مجلس الشورى انتقادات لتغييبهم عن تطور الأحداث هناك، وطالبوا بجلسة مغلقة بمشاركة المسؤولين السياسيين والعسكريين لهذا الغرض.
الاموال يجب أن تعود
إلا أن ناشطين سياسيين وإعلاميين إيرانيين، عبّروا عن رؤى ووجهات نظر مختلفة، يمكن أن تعطي صورة جلية عما يدور في أذهان الإيرانيين إزاء سقوط الأسد.
وزعم الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى حشمت الله فلاحت بيشه بأن طهران أنفقت ما بين 20 مليار دولار و30 ملياراً في سوريا، وهذه الأموال يجب أن تعود إلى البلاد.
وكرر النائب السابق بهرام بارسائي الكلام ذاته وزعم أن هذا المبلغ أُنفق في سوريا من دون إذن البرلمان وبما يخالف الدستور.
ورأى سعيد جليلي الذي نافس مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، أن سقوط بشار الأسد جاء كنتيجة للحظة تمهّل وتأخّر أو تردّد وتراخٍ.
وقال النائب المتطرف حميد رسائي مخاطباً بتهكم وسخرية، أنصار المحادثات والديبلوماسية في إيران، إن بشار الأسد كان هو الآخر يريد أن يبرهن للغرب بأنه لا يريد الحرب.
وكتب حسام الدين أشنا، المستشار الثقافي للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، أن الجميع كانوا يعلمون ماذا يجري في سوريا ما عدا بشار الأسد! وكان الجميع في الظاهر قد نسقوا معاً بشأن سوريا؛ وأضاف: “إيران الوحيدة التي لم تكن في اللعب. والآن، أي قوة سيكون بوسعها الوقوف بوجه الاحتلال في غزة وسوريا ولبنان؟”.
وكتب محمد علي أبطحي، مدير مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، والذي عاش لبضع سنوات في بيروت ودمشق: “مع سقوط بشار الأسد واستيلاء الجماعات الاسلامية المتطرفة على نظام الحكم في سوريا، يكون الرابط مع محور المقاومة قد انقطع فعلياً”.
وقال محمد رضا غلام رضا، المساعد السابق لقائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتيل في بغداد مطلع 2020، إن حكومة بشار الأسد انخدعت بوعود العرب وروسيا والأتراك، لأن هؤلاء كانوا قد وعدوا بأن أي شيء لن يحدث، في حين أن بريطانيا وحدها قدمت نحو 500 مليون دولار لـ”جبهة النصرة”. وأقر بأن إيران غفلت عن التطورات السورية، وقال: “كان يتعين علينا تفادي وقوع هذا الحدث”.
ورأى بعض المعارضين لحكومة بزشكيان في الفضاء الافتراضي أن “موقف الحكومة الإيرانية الجديدة كان له أثر في سقوط حكم نظام الأسد”، علماً أن القرارات الرئيسية المتعلقة بقضايا سوريا والعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، تُتخذ في الحرس الثوري وتحت إشراف زعيم الجمهورية الإسلامية، بينما تضطلع الحكومة بدور المنفذ فحسب.
ويعرب بعض الإيرانيين وبمنأى عن التحليلات السياسية، قبل كل شيء، عن قلقهم من قيام المعارضين المسلحين بالإساءة للأماكن الشيعية المقدسة في سوريا. وقد سجّل عدد من الايرانيين وقبيل مغادرتهم سوريا مقاطع فيديو في هذا الخصوص