الهديل

خاص الهديل: نظام الأسد في سورية ولبنان: “الحساب المشترك”

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

لا يمكن للبنان إلا أن ينظر لسورية على أنها بوابته البرية الوحيدة على العرب وعلى العالم.. وهذه حقيقة اجتماعية بمثلما هي حقيقة جغرافية وتاريخية. عدا حدود لبنان مع سورية يوجد لديه حدود مع البحر وحدود الجدار الاستيطاني الصهيوني كما يصفه جابوتنسكي.. البحر هو أفق ولكنه ليس له منزلة الحدود الجغرافية ولا نفس مزاياها؛ وفلسطين هي حدود الخير مع لبنان؛ ولكنها تصبح حدود الشر معه عندما تكون محتلة من قبل إسرائيل.

.. الآن، حدث تغير كبير في سورية؛ لقد ذهب نظام حكم سورية لمدة فاقت نصف القرن (١٩٧١ – ٢٠٢٤)؛ وبنفس الوقت حكم لبنان نحو ربع نصف قرن الذي حكم فيه سورية (١٩٩٠ – ٢٠٠٥)..

ويقال ان نظام الأسد – الأب جاء إلى سورية بتسوية مع البريطانيين ثم خرج منها الآن (الأسد الإبن) بتسوية بين تركيا وروسيا بعِلم الأميركيين.. أيضاً كان نظام الأسد دخل إلى لبنان نهاية ثمانيات القرن الماضي بتسوية أميركية – سعودية بعِلم باريس وخرج منه (أي من لبنان) بتسوية فرنسية أميركية بعِلم السعودية.

ومن كل ما تقدم يتبين أن عمر نظام الأسد كان دائماً يعكس وجود تسوية دولية تضمن له البداية سواء في سورية أو في لبنان؛ وتسوية دولية تفضي به إلى نهاية تخرجه من جنة الحكم سواء في سورية وأيضاً في لبنان.

وهناك خطأ شائع خاصة عندنا في لبنان، وهو القول “نظام الأسد في سورية”؛ بل الصحيح هو “نظام الأسد في سورية ولبنان”؛ ذلك أن العمر الحقيقي لنظام الأسد هو التالي: نصف قرن من الحكم في سورية ومنها نحو ربع قرن في سوريا ولبنان معاً.

لا يمكن توقع عدم فتح سجل المحاسبة لتبرئة ذمة الشعب السوري مع هذا النظام؛ ولكن لا بد من فتح سجل المحاسبة لتبرئة ذمة الشعب اللبناني مع هذا النظام.. لم يحكم لا حافظ الأسد ولا بشار الأسد سورية ولبنان من دون أدوات محلية سورية ولبنانية؛ وعليه فإن المحاسبة يجب أن تجيب على أسئلة وليس على سؤال واحد؛ وهو ماذا فعل رأس النظام (حافظ ونجله بشار).. والمقصود بالأسئلة هنا هو على من اعتمد رأس النظام في سورية ولبنان حتى تمكن له التسلط؟؟. ومن استفاد من تسلطه وما هو حجم الهدر العام الذي حصل في عهديه في سورية ولبنان ومن المستفيدين من هذا الهدر؛ ومتى وكيف ولماذا؟؟.

إن حجم الأسئلة التي يفتحها السؤال الثاني عن ماذا فعل الذين مكنوا “الديكتاتور” خلال عهديه في سورية ولبنان؛ ستكون أكبر بكثير من حجم السؤال عن ماذا “فعل الديكتاتور” خلال عهديه في سورية ولبنان..

إن تجربة حكم الأسد الأب والإبن في سورية فيها الكثير من العبر؛ ربما أهمها أن أخطر عدو على الدولة الوطنية هو فساد الدولة بالدرجة الأولى؛ وبالدرجة الثانية غياب الديموقراطية.. 

وهذه العبر المستخلصة من تجربة حكم نظام الأسد في سورية يمكن تعميمها على حكم سلالات الأسد اللبنانية، فهؤلاء هم الخميرة التي كونت طبقة لبنان السياسية بعد الطائف، ولن ينتقص من هذه الحقيقة أن الكثيرين من هؤلاء نفضوا أيديهم من نعم نظام الأسد عليهم بعد خروجه من لبنان؛ أو أنهم الآن جميعهم لا يخرجون فقط منه، بل يخرجون عليه لقتاله بعد تيقنهم أن حكمه انتهى في سورية؛ وعليه فهو لن يعود ثانية إلى لبنان.

ليس سهلاً توقع كيف سيكون حال الجوار السوري البري الوحيد للبنان في المرحلة الجديدة بعد سقوط نظام الأسد.. بالمبدأ يحق للبنان أن يقلق، ذلك أن أمن بلد الأرز هو من أمن بلد الياسمين سواء شئنا ذلك أم لا.. العلاقة بين لبنان وسورية هي علاقة حتميات التداخل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي؛ وقبل كل ذلك هي علاقة تخضع لما يمكن تسميته بالحتمية الجيوسياسة.. نصف منازل لبنان على الحدود الشرقية مع سورية، تتألف من جزئين إثنين متصلين: الجزء الأول مبني على أراضي لبنان والجزء الثاني مبني على أراض سورية. ثمة من يصف هذا الوضع بأنه نتيجة “لأخطاء سايكس بيكو المقصودة”؛ ولكن النظرة الأعمق تضيف سبباً آخر، وهو أنه نتيجة للحتمية الجغرافية..

لم يكن تداخل الحدود أو الاجتماع دائماً نعمة للبنان وسورية؛ بل شكّل في مرات كثيرة سبباً للتنابذ وللأزمات الحادة. ومنذ ولادة لبنان وقبل أن يكون هناك حكم آل الأسد في سورية؛ انقسم اللبنانيون على الموقف من سورية.. والمشكلة في لبنان لم تكن دائماً الموقف من نظام سورية، بل من سورية تحديداً؛ حدثت نفس المشاكل مع سورية قبل حكم البعث ومع حكم البعث؛ وقبل حكم آل الأسد ومع حكم الأسد وكل ما يتمناه لبنان أن تستمر نفس المشاكل بعد الأسد.. مثلاً طرابلس ظلت لفترة طويلة لا تريد أن تعترف بأنها لم تعد جزء من سورية؛ بمقابل أن مناطق أخرى من لبنان كانت لا تريد الاعتراف – لأسباب سياسية – بخصوصية العلاقة بين لبنان وسورية وتفضل عدم النظر إليها كدولة جوار وشقيقة.

الحق يقال أن الخلاف في لبنان مع سورية بغض النظر عن العلاقة مع نظامها، كان في مراحل كثيرة، يعبّر عن خلاف لبناني داخلي سياسي وثقافي وديني؛ يتم إسقاطه على الموقف من سورية.

المسيحيون في لبنان بشكل عام، اعتبروا أن بلد الأرز بتكوين حكمه الديموقراطي ونظامه الحر وغير الاشتراكي وبطريقة حياته الليبرالية. لا يشبه سورية بشيء. وبالمقابل فإن سورية كالكثير من الدول الكبيرة نظرت إلى لبنان الدولة الصغيرة، شيء من التعالي. وأكثر من ذلك؛ فخلال فترة طويلة لم تفتح دمشق سفارة لسورية في لبنان؛ معتبرة أن لبنان غير مستقل عن سورية.

الخلاصة في هذا المجال هي أن الجغرافيا عادة ما تورث جواره وحتى الأشقاء داخل العائلة الواحدة، مشاكل وعقد متبادلة.. وهذا الأمر حصل بين لبنان وسورية في مراحل كثيرة.

اليوم يحدث في سورية ثورة تغير حكم وتضع سورية أمام حكم جديد لم تتبلور هويته بعد؛ والأهم من ذلك أن أحداً لا يستطيع أن يعرف بعد من سيرسم هوية الحكم الجديد في سورية: هل هو الشعب السوري وحده؟؟ أم إرادات إقليمية متشابكة أو متصالحة؟؟ أم أن إعادة تركيب الحكم في سورية سيكون أول ملف على طاولة ترامب؟؟

حتى يتضح هذا الأمر فإن لبنان “يتمنى” أن تحصل في سورية ثلاثة أمور:

الأول: أن يكون معنى الحكم لسورية مدني بأكثر مما هو ديني. فإذا كان هناك لبنانيون يشكون من انه يوجد في ايران على بعد ٢٠٠٠ كلم من لبنان حكم ديني أثّر على وضع لبنان الداخلي؛ فإنه لا يجب أن يلام لبنان إذا تمنى أن لا يكون هناك بجواره، وعلى بعد عدة أمتار فقط منه، وليس عدة كيلومترات، نظام حكم غير مستغرق بالكامل بالهوية الدينية.. ويجب التشديد هنا عند عبارة لبنان “يتمنى”؛ لأن الشعب السوري بالنهاية حر في ما يريده لنفسه؛ ولبنان ليس له غير خيار أن يحترم ما يريده الشعب السوري.

الأمر الثاني مفاده أن لا تتم مقايضة دولية على حساب وحدة سورية وذلك خلال تركيب هوية الحكم الجديد في سورية؛ الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تأثر لبنان سلباً بهذه المقايضة.

الأمر الثالث الذي يتمناه لبنان هو أن يؤدي التغيير في سورية إلى استقرار وتبدل نحو الأفضل للوضع الاقتصادي، مما يشجع مليون ونصف نازح سوري مقيمين في لبنان على العودة إلى سورية.

Exit mobile version