خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
لا تقتصر خطورة ما حدث ويحدث وسيحدث في سورية على مسألة سقوط نظام وقيام نظام آخر مكانه. خلال فترات ما قبل وصول الرئيس حافظ الأسد إلى قصر المهاجرين كانت سورية تنام على خبر حصول انقلاب وتستيقظ على خبر حصول انقلاب جديد وتغيير في هوية الحاكم؛ ولكن ما كان يحدث هو تغيير في هوية الحاكم وليس في هوية الحكم.. وهنا يحدث الفرق هذه المرة.
وعلى هذا فإن تغيير الحاكم في سورية صار لفترة طويلة بمثابة روتين، وشيء متوقع كل صباح؛ وجزء من فولوكلور الحياة السياسية السورية، لكن تغيير هوية الحكم في سورية وتغيير دور ووظيفة سورية داخل النسيج العربي الكلي، هو الذي يثير الآن كل هذه الضوضاء، كون ما كان يحدث رغم اختلاف الرأي به وحوله، هو تغييرات داخل وظيفة سورية ودورها؛ وضمن معادلة عدم مد اليد على معنى الحفاظ على وحدة النسيج السوري المتنوع الذي هو صورة مصغرة عن تنوع الحضارة العربية.
والواقع أن التغيير الحالي هو حدث – أخطر ما فيه – أنه عابر للوضع السوري الداخلي؛ ويزيد من خطره أنه يحدث داخل الجغرافيا السورية..
قد يكون مفيداً إعادة التذكير بأن سورية كانت وتبقى وستظل مركز توازن سياسي واجتماعي وثقافي وديموغرافي في المشرق العربي الذي يمتاز بأنه منطقة تعيش فيها تجربة علاقة العروبة بالأقليات العربية من شيعة وعلويين ومسيحيين وأكراد وشركس،، الخ..
هنا يجب وضع خط عريض تحت مصطلح: “تجربة علاقة العروبة بالأقليات العربية”.
.. سورية قدّمها تاريخها داخل المشرق العربي على أنها بلد القومية العربية؛ ولم يتغلب على عنوانها هذا طابعها الإسلامي الهام كونها كانت مركز الخلافة الإسلامية الأموية. وكل نظام حكم في سورية كان يقدم نفسه على أنه ممثل للعروبة التي تتسع للإسلام السني المترامي الأطراف وللأقليات العربية من مختلف المذاهب والعرقيات والأديان.. بخلاصة سريعة يبدو لوهلة طويلة أن هناك خطر على تجربة العروبة مع الأقليات العربية في المشرق وفي كل المنطقة العربية، من دون سطوع شمس العروبة كهوية حكم في سورية.
ولا يجب إغفال أن طبيعة سورية هذه ودورها المشار إليه أعلاه، هو الذي جعل ميشال عفلق إبن سورية والبعثي والعلماني والمسيحي الأرثوذكسي العربي، يطلق على نفسه بمحض إرادته إسم: “محمد ميشال عفلق” ولم يعد إسمه فقط ميشال عفلق.
وهذا الدور لسورية الحاضن لتجربة العروبة مع الأقليات العرب هو الذي جعل الإعلامي اللامع ميشال أبو جودة يعطي سورية تسمية إنها “مخفر العرب” بمعنى أنها تهب للدفاع عن هوية كل عربي في المنطقة من دون أن تميز بين مذهبه أو عرقه أو دينه.
لا شك أن حكم آل الأسد تغطى بالبعث العربي العلماني ليوحي أن دوره يصب في خدمة هذه الهوية لسورية: “مخفر العرب” و”سورية التي تحمي التعايش الحر بين العروبة والأقليات العربية”؛ والحق يقال ان حكم البعث الأسدي أساء في أمكنة لهذا الدور وخدم في مكان ولو بالشكل هذا الدور؛ ولكن المهم الآن ليس الماضي الذي ينتمي إليه نظام بشار الأسد الذي أصبح حقبة سحيقة رغم أن عمر انهياره هو أيام فقط؛ المهم حالياً هو الحاضر الذي يتشكل الآن في سورية، والمهم هو المستقبل الذي يقف وراء بابه!!..
.. باختصار المهم هو مسألة أهمية عروبة سورية لحماية النسيج العربي المتنوع في المشرق العربي الأكثر ازدهاراً ثقافة وحضارة فوق كل الجغرافية العربية من المحيط إلى الخليج.
مكمن القضية الخطرة تقع في أن التجربة الحضارية العربية تحتاج إلى عروبة سورية بأكثر مما هي تحتاج لإسلامها الأموي الرحب والمهم؛ ولكن هناك داخل دنيا العرب الكثير من نموذج للتعايش الإسلامي مع العروبة ولكن ليس فيها إلا القليل – وما ندر – من نماذج التعايش بين العروبة والأقليات العربية.
ولا يعني ما تقدم أن هناك مشكلة للإسلام في التعايش مع الأقليات العربية غير المسلمة داخل العالم الغربي أو الوطن العربي أو منطقة الشعوب العربية؛ ولكن لا يوجد في كل مناطق العالم العربي منطقة بمثل نسيج المشرق العربي المؤلفة من فسيفساء من الأقليات العربية غير الإسلامية وغير السنية الذين هم دين ومذهب دولة الخلافة والدول العربية الحديثة. وهذا الواقع هو الذي شكل لجعل سورية بلد العروبة رغم أن تاريخها يحفل بأنها كانت أيضاً بلد
المسألة الأخرى لا تقع فقط فيما إذا كان الغرب سيرفع تصنيف صفة الإرهاب عن الجولاني بل فيما إذا كانت سورية يمكن أن يظل لها دور مخفر العرب ويمكن أن يظل فيها مواطن إسمه محمد ميشال عفلق إذا حكم الجولاني سورية التي هي مختبر التجربة بين العروبة والأقليات العربية؟؟!.