خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
اجتماع العقبة أمس الذي جرى فيه التباحث حول سورية من جهة وتباحث الوزراء العرب مع وزراء خارجية الدول ذات الصلة بأزمة سورية كتركيا والولايات المتحدة الأميركية؛ كان له هدف ضخم وهو ليس فقط البحث عن خارطة طريق تؤدي إلى انتاج استقرار وهيئة حكم في سورية؛ بل وبالأساس حماية العملية السياسية الانتقالية السورية.
هناك عشرات الأسئلة حول إلى أين يتجه الوضع في سورية لا يوجد أجوبة عليها: من بين هذه الأسئلة هو أنه لا يمكن في هذه اللحظة توقع كيف تفكر هيئة تحرير الشام؟.
والسبب هو أنه لا أحد من الوزراء الذين اجتمعوا في العقبة أمس يستطيع أن يعرف ما إذا كان أبو محمد الجولاني خرج من عقل أحمد الشرع أم أن أحمد الشرع لا يزال يسكن في عقل الجولاني؟؟
حتى لو أحضر أبو محمد الجولاني إلى قاعة اجتماع العقبة وتم اخضاعة لآلة كشف الكذب التي بالعادة تبين حقيقة ما يجول في رأس الشخص التي يخضع للفحص عليها؛ فإن نتيجة فحص حقيقة تفكير الجولاني لن تكون أكيدة وليست كلية!!.
لماذا؟؟.
لأن حياة الجولاني العقائدية والشخصية وحتى النفسية مرت بتحولات كثيرة؛ فهو بدأ شاباً صغيراً متأثراً بأجواء الجامع الشافعي في دمشق الذي كان يتردد عليه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس؛ ثم لاحقاً ذهب للجهاد في العراق ملتحقاً بسرايا المجاهدين وهي مجموعة سلفية جهادية صغيرة لا يوجد عنها الكثير من المعلومات؛ وعليه لا يمكن الإجابة عن السؤال حول كيف وصل الجولاني لهذه المجموعة التي شكلت أول طريقه الجهادي السلفي؛ كما أنه لا يوجد إجابة عن السؤال حول هل تأثر الجولاني بأجواء حماس وخلفيتها الإخوانية (الإخوان المسلمين) خلال فترة تردده على الجامع الشافعي؟؟. وهل ذهب للجهاد في العراق مدفوعاً من أفكار إخوانية أم سلفية جهادية ذات صلة آنذاك بمجموعة سرايا المجاهدين؟؟ ومن هي هذه المجموعة الأخيرة التي ظهرت لفترة قليلة ثم اختفت؟؟ وما كان دوره فيها؟؟.
هناك سؤال يشكل عدم الإجابة عنه استمرار السر قائماً حول مرحلة اتصالات هيئة تحرير الشام بالغرب وبضمنه بالسي آي إي؛ وهذا السؤال تحديداً بالتالي: من قتل أبو ماريا القحطاني؟؟.
وبالمناسبة أبو ماريا القحطاني هو الصديق الحميم لأبو محمد الجولاني وبدأ معه المشوار منذ هاجر الأخير من سورية إلى العراق وأسس معه جبهة النصرة ومن ثم جبهة فتح الشام وصولاً لهيئة تحرير الشام؛ وكلف الجولاني القحطاني بفتح اتصال مع الغرب بهدف إقناعهم بأن الهيئة هي جزء من الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب.
وكل المؤشرات تظهر أن القحطاني نجح في المهمة؛ وليس السؤال هنا لماذا سجنه الجولاني لأن هذا الأمر قد أجبر عليه الأخير مراعاة لتوازنات داخل تنظيم ولكن السؤال هو من قتل القحطاني بعد خروجه من السجن؟؛ وخلفية هذا السؤال تنطلق من حقيقة أنه بعد موت القحطاني لم يعد هناك شاهد على حقيقة علاقة أحمد أو أسامة الشرع مع الغرب وعلى ماذا اتفق من خلال القحطاني مع المخابرات الأميركية؟؟.
هذه الأسئلة لا تريد الافتراض بشكل مسبق ومن دون أدلة مادية، أن الجولاني يعمل مع المخابرات الأميركية، ولكن تريد الوقوف على حقيقة نوعية الاتفاق أو التفاهم الذي حصل بين الغرب وبخاصة الأميركيين وبين الجولاني خلال الفترة الأخيرة، والذي أدى (أي هذا الاتفاق) إلى جعل الجولاني مطلوباً للعدالة من الأميركان وعلى رأسه هدية مالية أميركية؛ وبنفس الوقت مطلوب من قبل الأميركان مساعدته ليحكم سورية!!.
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه ولا يوجد إجابة عنه لا عند وزراء اجتماع العقبة العرب؛ ولا حتى عند الكثير من الباحثين في مسيرة الجولاني؛ ومفاده هل تستطيع إدارة حكم إدلب ومحافظتها أن تحكم دمشق عاصمة كل سورية.
في ذهن أحمد الشرع أن تجربته في حكم إدلب يمكن تعميمها ليحكم بواسطتها سورية؛ وهنا ستبرز مشكلة كبيرة فحواها أن حكم سورية من إدلب شيء وحكم سورية من دمشق شيء آخر ويستتبع تفكير آخر؟؟ إن التحول المطلوب من أحمد الشرع القيام به هو الانتقال من تفكير أنه أبو محمد الجولاني أمير إدلب إلى أحمد الشرع رجل الدولة السياسي في دمشق. والواقع أن هذا التحول لا يبدو أنه قريب الحصول أو أنه سيحصل.
إلى جانب الأسئلة المعلقة حول الجولاني ذاته هناك مشاكل أسئلة عن العرب والدوليين المعنيين بالأزمة السورية لا تزال معلقة أيضاً وأبرزها سؤال: من أين تبدأ معالجة الأزمة السورية؟؟. الإجابة التقليدية تقول ان هناك القرار ٢٢٥٤ الذي ينص على حوار سوري شامل لإنتاج مرحلة انتقالية. ومشكلة القرار ٢٢٥٤ هو أنه مضى على صدوره عدة سنوات، وهو يقدم حلاً بين أطراف لم تعد موجودة؛ فالقرار يذكر أن على المعارضة أن تتفاوض مع نظام الأسد لإرساء حل!!.
ببساطة إن هذا القرار سبقته الأحداث؛ ذلك أن النظام صار خارج معادلة مستقبل سورية؛ ولذا يجب التركيز الآن على سؤال هام وهو من سيتفاوض مع من في سورية؟؟.
.. هناك جبهة تحرير الشام المتصدرة المشهد السياسي السوري؛ وإلى جانبها، ولكن إلى الوراء كثيراً، توجد فصائل مسلحة سلفية وأصولية أخرى، شاركت مع الهيئة أو منفردة في إسقاط النظام؛ والى هؤلاء هناك أيضاً قوى أخرى معارضة غير مسلحة وليست ذات ايديولوجيا إسلامية موجودة خارج سورية؛ وكان لها دور كبير خلال الأعوام الماضية داخل سورية بمواجهة نظام الأسد؛ ولكنها الآن لم يعد لها شأن شعبي كبير. وهناك أيضاً طاولة حوار يجب التأكد من وجودها؛ والمطلوب أن يجلس على أحد طرفيها أبو محمد الجولاني صاحب تجربة إدلب وعلى طرفها المقابل أحمد الشرع المدعو لخوض تجربة دمشق، حتى يحسم الرجلين في حوارهما الصادق أي منهما من سيكون له الكلمة الفصل في المرحلة المقبلة.
بنهاية المطاف ربما أصبح من الأفضل تنظيم إجراء انتخابات تحت إشراف دولي لإنتاج مادة حكم متنوعة في سورية، كون أية طاولة حوار في الوقت الراهن لإنتاج صيغة حكم لن تفضي إلى نتيجة، لأن القوى المدنية غير الفصائيلية المسلحة الإسلامية لا تملك حالياً إمكانية مضاهاة الفصائل الإسلامية المسلحة الممسكة بالأرض؛ وعلى هذا فإن أي حوار في ظل هذا الوضع سيسلط الضوء على هيئة تحرير الشام بوصفها قوة سلفية إلغائية وتريد احتكار السلطة وأخذ البلد مع مرور الوقت لحكم إسلامي متشدد.
إن هذا الواقع يطرح سؤالاً عما إذا كان الحوار السوري سيتم بحكم الأمر الواقع فقط بين الفصائل الإسلامية المسلحة؛ في حين يتم استثناء كل القوى المدنية الأخرى خاصة الموجودة في الخارج. وحينها ستحكم دمشق بمقياس تجربة إدلب!!.