خاص الهديل…
غنوه دريان ..
على مدار الأيام الماضية، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا، انكببتُ مثل العديدين غيري على الاستماع إلى شهادات الذين تحرّروا ونجوا من سجونه وأقبية زنازينه، ومع كلّ شهادة أسمعها أو حال أراه من أحوال هذه السجون، كنتُ أكتشف أنّ كلّ ما قرأته في أدب السجون على مدار سنوات عمري،
كنتُ أستمع إلى شهادات الرجال والنساء الذين خرجوا وتحرّروا منها، وأشعر بأنّ إنسانيتي تبكي وتصرخ وتتألّم، وأفكّر بها ككائن من لحم ودمّ، تنزوي في جزء مني، تتكوّر على نفسها، وتغطي رأسها بيديها وتنتحب بأنين أسمعه، وأتذكّر تلكَ الصرخة الشهيرة في بدايات الثورة السورية: “أنا إنسان ماني حيوان، وهالعالم كلّها متلي”، وأشعر بأنّني أفهم مشاعر قائلها –الذي كان يبكي عندما قالها- أكثر من أي وقتٍ مضى؛ وكأنّ تلك الصرخة هي اعتراض داخلي بديهي يبديه الإنسان على انتهاك الإنسانية فيه وفي غيره.
لفتتني في تلكَ الشهادات، شهادة لامرأة نُقِلَ عنها أنّها دخلت أقبية سجون النظام وعمرها 19 عاماً، وخرجت منها وعمرها 32 عاماً، وبرفقتها أبناء لا تعرف آباءهم، وقد أشعرني قولها بالظلم والقهر المضاعف الذي قاسته جرّاء معايشتها لتجربة الاعتقال السياسي، لكونها امرأة قبل كلّ شيء.
اليوم مع تحرير المئات وربّما الآلاف من المعتقلات السياسيات من سجون نظام الأسد، سيكون هناك سؤال سيقابلنَ به من قبل آبائهنّ وعائلاتهنّ بعد خروجهنّ من تلكَ السجون، وهو سؤال: “هل فعلوا بكِ شيئاً؟”، وهذا السؤال لن يأتي ليستفسر عن صنوف العذابات الجسدية التي كنّ يلاقينها، من شبح وضرب وصعق بالكهرباء وقلع للأظافر وغيرها، بل سيوجّه إليهنّ ليستفسر عن مدى تعرضهنّ لأشكال العنف الجنسي من تلميح وتحرّش، وصولاً للاغتصاب.
لا يُمكن لأولئك الناجيات المحرّرات من سجون النظام أن يعشنَ حياة طبيعية في مجتمعٍ أبويٍّ يقاضيهنّ على الاغتصاب كأنّه ذنب نتيجة فعل خاطئ ارتكبنه بإرادتهنّ، وهنّ مسؤولات عنه، مع أنّه قائم بالأساس على فكرة سلب الإرادة، و الفوبيا الجماعية التي يحتويها ضمنياً سؤال: “هل فعلوا بكِ شيئاً؟”، وهي الفوبيا التي ما أن تصيب مجتمعاً ما حتى تجعله يتطلّع إلى جسد المرأة باعتباره هاجسه الأوحد والوحيد.