دينٌ بـ 50 مليار دولار بين إيران وسوريا… وثيقة سريّة
عندما أثار الصحافيون الإيرانيون, اليوم الثلاثاء, موضوع “ديون سوريا لإيران بمبلغ 50 مليار دولار” خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية, إسماعيل بقائي, نفى أن يكون المبلغ “50 مليار دولار” دون أن ينفي وجود ديون على سوريا, ودعا الحكم الجديد في دمشق إلى الالتزام بتعهداته وفقا للاتفاقيات والعقود المبرمة مع نظام الرئيس السابق بشار الأسد, وذلك في الوقت الذي يشوب الغموض العلاقات بين سوريا وإيران التي وقفت إلى جانب الحكم السابق منذ 2011 بالعديد والعدة والمال والجماعات.
إلى ذلك قال بقائي: “أرقام من قبيل 50 مليار دولار كديون مستحقة على سوريا لإيران والتي يتم تداولها هي أرقام مبالغ فيها للغاية”.
وتابع المتحدث, “الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم التي يتم توقيعها بين البلدين ليست بين مجموعات أو حكومات مؤقتة, بل هي بين الدولتين, لذلك جميع هذه الالتزامات والواجبات قائمة ولا يمكن أن تختفي, فأي نظام أو حكومة تتولى السلطة في أي دولة تُلزم بموجب مبدأ “خلافة الدولة”, وهو مبدأ معترف به في القانون الدولي, بأن تنقل هذه الحقوق والواجبات”.
وفي الوقت الذي قال المتحدث إن افتتاح السفارة الإيرانية في دمشق بحاجة إلى ترتيبات, ومنها قرار السلطات الجديدة في سوريا, وذكر أن بلاده لم تكن لديها أطماع إمبراطورية في سوريا, فقد أكد: بالتأكيد, هذا الموضوع (الاتفاقيات والمعاهدات) سيبقى ضمن جدول أعمالنا”.
منذ اندلاع الأزمة السورية, لعبت إيران دورا محوريا في دعم حكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد, ولم يقتصر هذا الدعم على الجوانب العسكرية والسياسية, بل امتد إلى المجالات الاقتصادية ليمنح النظام أدوات البقاء رغم الظروف المعاكسة, وكما سعت إيران إلى الانتفاع المادي عبر الاستثمار في سوريا, وكان من الواضح أن استدامة هذه العلاقات الاقتصادية كانت تعتمد بشكل كبير على استمرار بقاء بشار الأسد في السلطة, واليوم حيث رحل الأسد تثار تساؤلات في إيران حول مستقبل الاستثمارات الإيرانية والديون المالية على النظام السوري السابق, كما حدث في المؤتمر الصحافي للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية اليوم.
ويمكن تلخيص استثمارات إيران في القطاعات السورية كالتالي:
1. قطاع النفط والغاز
وبغية الاستثمار في القطاع النفطي, ساهمت إيران في إعادة بناء البنية التحتية النفطية السورية التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب, وقد شملت هذه المساهمات تطوير واستغلال سبعة مواقع نفطية برية وثلاثة مواقع بحرية, يُذكر أن إنتاج النفط السوري, الذي كان يبلغ نحو 350 ألف برميل يوميًا قبل الحرب, انخفض إلى أقل من 24 ألف برميل يوميًا, وسعت إيران من خلال اتفاقيات طويلة الأجل أن تحتفظ بحصة مهمة لنفسها في هذا القطاع.
2. الفوسفات
تُعد سوريا من أكبر الدول التي تمتلك احتياطات الفوسفات في الشرق الأوسط, وقد أبرمت إيران عقودًا بقيمة تفوق 100 مليون دولار لاستغلال هذه المناجم, مما يسهم في تلبية احتياجات الصناعات الكيميائية والزراعية الإيرانية.
3. صناعة السيارات
أسست شركة “إيران خودرو” خطوط إنتاج لتجميع السيارات الإيرانية في سوريا, وحاولت الشركة دخول هذا السوق عبر تقديم منتجاتها بأسعار تنافسية, وبهدف تقليل اعتماد سوريا على استيراد السيارات واستخدام السيارات الإيرانية المنتجة محليا.
4. الطاقة والكهرباء
وساهمت إيران في إعادة تأهيل بعض محطات الكهرباء, بما في ذلك محطتا بانياس وحلب.
5. الصناعات الدوائية
قامت إيران بالمساهمة في مصانع لإنتاج الأدوية في سوريا كان جزءا من استثمارات.
وفي واقع الأمر حاولت طهران من خلال هذه الاستثمارات في السنوات الأخيرة التي شملت مجالات أخرى أيضا في قطاعات صناعية متعددة في سوريا, تشمل البتروكيماويات والصناعات الإنشائية والنقل والبنية التحتية أن تحقق أرباحا تعوض ما أنفقته لدعم حكومة الرئيس السوري السابق, وتشير بعض التقديرات إلى أن إيران أنفقت ما بين 25 إلى 30 إلى 50 مليار دولار في سوريا, تشمل الدعم المالي وتزويد الطاقة وتنفيذ مشاريع استثمارية.
وهذا ما أكده الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني, حشمت الله فلاحت بيشه, وقال إن هذه الاستثمارات مصدرها موارد وطنية إيرانية, ويجب ضمان استعادتها.
ويبدو أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يرد على إعلان جهة معارضة إيرانية في أيار 2023 أعلنت حصولها على “وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية” تؤكد “أن من بين 50 مليار دولار, المبلغ الذي يُقدّر أن الحكومة الإيرانية أنفقته في الحرب الأهلية السورية, لم يتحدد مصير سوى نحو 18 مليار دولار فقط, ومع ذلك, لم يتم الاتفاق على استردادها نقدا, بل في إطار مشاريع وخطط غير واضحة من الناحية الفنية والاقتصادية, ودون وجود ضمانات لتنفيذها”.
وكشفت الوثيقة “أن الميزانية التي أنفقتها إيران على مدى 10 سنوات (حتى عام 2022) في الحرب الأهلية السورية تتجاوز 50 مليار دولار”, ونشرت هذه المجموعة وثيقة أخرى آنذاك “تؤكد أن ديون إيران على سوريا يصعب استردادها”, إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية اعتبر هذا الرقم مبالغا فيه.
وكانت المصالح الإيرانية في سوريا تعتمد بشكل كبير على استمرار حكم بشار الأسد, واليوم يرى المراقبون أن إيران لم تخسر حليفا استراتيجيا فحسب ضمن ما تسميه محور المقاومة بل تواجه مخاطر خسارة استثماراتها, وهذا ما دعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية, لأن يحث الحكم الجديد في سوريا على الالتزام بالمعاهدات والعقود في هذا المجال.