حقائق مذهلة لا تعرفها عن والد أبو محمد الجولاني
هل تساءلت يوماً عن الرجل الذي يقف خلف إحدى أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ المنطقة الحديث؟ حسين علي الشرع، والد أحمد الشرع المعروف بلقب “أبو محمد الجولاني”، ليس مجرد شخصية عابرة في المشهد السوري؛ بل هو رجل ذو تاريخ فكري وسياسي واقتصادي بارز.
بينما سطع اسم ابنه في ميدان الصراعات العسكرية في العراق وسوريا، كان حسين الشرع شخصية مؤثرة في المجال الفكري والسياسي. تميّز بمسيرة زاخرة في الاقتصاد والتنمية والدعوة إلى التغيير. من النشأة إلى العمل إلى التأليف الأكاديمي والمشاركة في الحراك السياسي، دعونا نغوص في تفاصيل حياته:
نشأته
في مدينة فيق الملاصقة والمطلة على بحيرة طبريا في الجولان السوري المحتل وُلد حسين علي الشرع عام 1944. نشأ في عائلة إقطاعيّةٍ عريقة تمتلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتعود أصولها إلى آل بيت النبوة، كان والده علي الشرع (جد أبو محمد الجولاني) تاجراً معروفاً وأحد وجهاء المنطقة من الجولان وحتى حوران، ومقاوماً ضد الاحتلال الفرنسي وألّف كتاباً عن الثورة في منطقة الجولان. كل هذه الظروف وفرت لحسين والعائلة مكانةً اجتماعيةً وماليةً مميزة.
تعليمه
بدأ تعليمه الأساسي في الكُتّاب (شبه مدرسة للأطفال الصغار)، حيثُ تعلّم القراءة والكتابة والعمليات الحسابية. أظهر منذ صغره ذكاءً حاداً وشغفاً بالتعلّم، مما دفع عائلته لتوفير أفضل فرص التعليم له، حيث انتقل لاحقاً إلى المدرسة الابتدائية والإعداديّة في مدينته.
في عام 1963، أكمل حسين الشرع دراسته الثانوية في ثانوية فيق وسط اضطرابات سياسية كبيرة. خلال هذه الفترة، شارك في مظاهرات طلابية مناهضة للسلطات، مما أدّى إلى اعتقاله مع زملائه. تدخّل وجهاء المنطقة وأُفرج عنه بعد أربعة أيام. بعد الإفراج عنه، قرر حسين مغادرة سوريا نحو الأردن، لكنّه اعتُقل هناك لمدة شهرين ونصف. وأمام خيار السفر إلى السعودية أو العراق، اختار العراق التي كانت في تلك الفترة تحت حكم الرئيس عبد السلام عارف. هناك، أكمل دراسته الثانوية في الثانوية المركزية ببغداد والتحق بعد ذلك بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، حيث تأثر بشدّة بالأفكار القومية واليسارية ومشروعها التحرري، كما أنه كان من أشد المعجبين بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. تخرج من الجامعة عام 1969 متخصصاً في الاقتصاد، ليبدأ مسيرة مهنية حافلة أسهمت في تشكيل رؤيته الفكرية والسياسية التي انعكست في مسيرته لاحقاً.
مسيرته المهنية وإرثه الفكري
بعد إكمال دراسته عاد الشرع إلى سوريا وبدأ مسيرته المهنية في وزارة النفط السورية في أوائل السبعينيات، وترشح لانتخابات المحافظة وفاز بعضويّة محافظة القنيطرة. من ثم ترشح إلى عضويّة مجلس الشعب ولكنه لم يفز بسبب التلاعب بنتائج التصويت ما أدى إلى احتدام صراعه مع السلطة في دمشق. وأمام الضغوط السياسية المتزايدة، غادر سوريا مجدداً إلى المملكة العربية السعودية، حيث رزق بابنه أحمد (أبو محمد الجولاني) وعمل في قطاع النفط مع شركات عالمية كبرى، وتمكن أخيراً من توظيف خبراته في إعداد دراسات اقتصادية تناولت التحولات في أسواق الطاقة العالمية.
أصدر الشرع العديد من الكتب والمؤلفات الاقتصادية التي أصبحت مراجع مهمة في مجال النفط والتنمية الاقتصادية، منها:
النفط والتنمية الشاملة في الوطن العربي (1983).
التطور الاقتصادي في المملكة العربية السعودية ومستقبل التنمية (1984).
الاقتصاد السعودي في مرحلة بناء التجهيزات الأساسية (1984).
منظمة الأوبك: التحولات الكبرى والتحدي المستمر (1987).
الأهمية الاقتصادية للطرق والمواصلات في التنمية (1987).
الأهمية الاقتصادية للموانئ في التنمية (1987).
الأهمية المركزية للكهرباء في التنمية الشاملة (1988).
تميزت كتاباته بالتركيز على التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم العربي، محذراً من اعتماد الاقتصادات العربية المفرط على النفط دون بناء بنية اقتصادية مستدامة.
بعد عودته إلى سوريا في الثمانينيات، تمكن من العمل في وزارة النفط السورية مجدداً حيث أصبح مديراً للشؤون الاقتصادية ومستشاراً في الوزارة ومستشاراً في رئاسة مجلس الوزراء لفترة قصيرة، وساهم في إعداد دراسات حول استراتيجيات تصدير النفط وتعزيز التنمية الاقتصادية. واجه حسين الشرع صعوبات بسبب مواقفه الفكرية ورفضه للفساد المستشري، مما حال دون استمراريته في مثل تلك الوظائف الحكومية المرموقة.
ترك حسين الشرع العمل الرسمي لاحقاً وافتتح مكتباً للوساطة العقارية وميني ماركت صغيرة حيث كان يعيش في حي المزة فيلات غربية أحد أرقى الأحياء في مدينة دمشق.
دوره في ربيع دمشق
لعب حسين الشرع دوراً في الحراك الفكري والثقافي خلال ربيع دمشق (2000-2001)، وهي فترة شهدت انتعاشاً مؤقتاً للحريات السياسية والثقافية بعد تولي الرئيس المخلوع بشار الأسد الحكم.
كان الشرع من الشخصيات التي دعت إلى التغيير السلمي والإصلاح السياسي، مؤمناً بأهميّة المجتمع المدني لتطوير الدولة السورية وبناء دولة مدنية حديثة. شارك بنشاط في كل من “منتدى الأتاسي” و”منتدى الحوار الوطني” الذي كان يعقد في منزل رياض سيف، وهو منتدى جمع المثقفين والسياسيين من أمثال المعارض الراحل ميشيل كيلو وعارف دليلة لمناقشة قضايا الديمقراطية والحريات العامة، والمطالبة بإصلاحات جذرية للنظام السياسي السوري.
ألقى الشرع محاضرات في المنتدى تناولت تعزيز الحريات العامة، حقوق الإنسان، ودور الدولة المدنية كبديل للنظام السلطوي. أكد على ضرورة بناء مجتمع مدني قوي بغضّ النظر عن الدين أو العرق، يضمن الحريات العامة ويكون حلقة وصل بين الشعب والدولة، داعياً إلى تبني إصلاحات تدريجية تحول دون وقوع صراعات عنيفة.
في عام 2005، كان الشرع أحد الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وهو بيان تاريخي صدر عن ائتلاف من الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة، يطالب بانتقال سوريا إلى نظام ديمقراطي تعددي، في خطوةً جريئةً في ظل الظروف الأمنية القاسية التي واجهها المعارضون في سوريا في تلك الحقبة الزمنية حيث تمت مضايقته واعتقاله عدة مرات غاب بعدها عن المشهد السياسي والفكري السوري.
ختاماً،
في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، تظل هذه العلاقة الفكرية بين الأب والابن مفتوحة على احتمالات عديدة. فربما يحمل المستقبل تطورات غير متوقعة تعيد صياغة أدوار الشخصيات السياسية في سوريا. إذ لطالما تحدّث أبو محمد الجولاني في جلساته الخاصة أنه تأثّر بفكر والده وبقيمه الراسخة في البحث عن العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي، ليبقى السؤال: هل يمكن لهذا التأثير أن يلعب دوراً محورياً في مستقبل أحمد الشرع (الجولاني) ومسار الأحداث في سوريا الجديدة؟