الهديل

بعد السقوط… سوريون في المغرب يروون معاناتهم مع نظام الأسد

 

بعد السقوط… سوريون في المغرب يروون معاناتهم مع نظام الأسد

“كيف يشعر مواطن غادر بلده لمدة 52 عامًا وهو يرى سقوط النظام الذي أجبره على الرحيل؟ أشعر بالفرح والسرور، وبشوقٍ لسوريا التي حرمت منها بسبب هذا النظام”. هكذا عبر عبد الباسط، السوري المقيم في المغرب، عن مشاعره عقب سقوط نظام الأسد.

عبد الباسط، الذي أجبرته ظروف سياسية قاسية على مغادرة حلب في سبعينيات القرن الماضي، يشبه نفسه بشجرة جذورها في سوريا وثمرها في المغرب، موضحًا سبب مغادرته سوريا: “لم أكن في توافق مع النظام الذي بدأ يحكم سوريا بالحديد والنار وكان نظامًا ديكتاتوريًا طائفيًا وانتقائيًا”.

ومنذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد، كان المغرب واحدًا من البلدان التي احتضنت السوريين، الذين أعادوا بناء حياتهم وسط مجتمع جديد. ومع التطورات الأخيرة في سوريا، عاد الأمل لكثير منهم بالعودة إلى الوطن بعد سنوات طويلة من الغربة، بينما استمرت مشروعاتهم وأحلامهم في المغرب، البلد الذي أصبح بالنسبة لهم موطنًا ثانيًا، بحسب تعبيرهم.

وفي هذا السياق، يكشف 3 سوريين أقاموا في المغرب بسبب معارضتهم لنظام الأسد، أنه رغم التحديات استطاعوا تحقيق استقرارهم في المملكة بينما لم ينقطع حنينهم إلى سوريا، وتباينت آراؤهم حول المرحلة القادمة لبلدهم بعد سقوط النظام.

عبد الباسط البيك، المولود بحلب عام 1951، استقر بالمغرب منذ عام 1972 بعد اضطراره لمغادرة سوريا لأسباب سياسية ومعارضته لنظام حزب البعث. أمضى فترة دراسية في العراق، ثم أكمل دراسته في كلية الحقوق بالرباط، عمل أستاذًا جامعيًا ثم رجل أعمال حاليًا، يرى في المغرب وطنه الثاني الذي منحه حرية سياسية، وجنسية ثانية، وشعورًا بالأمان.

يتابع عبد الباسط حديثه لـ”الحرة” قائلًا: “أسرتي وُلدت في المغرب، ولا تعرف أسرتنا في سوريا، كشقيقاتي وأبناء عمومتي، كل جيل الشباب من أسرتي لا يعرفونني إلا سمعًا”، مؤكدًا أن “اللقاء بهم الآن سيصبح ممكنًا لأول مرة منذ نصف قرن وسأزور سوريا قريبًا بعد أن تستقر الأمور”.

كشف عبد الباسط أنه تعرض لمضايقات وتهديدات من نظام الأسد وكان ملاحقًا باتهامات كثيرة، معترفًا أنه كان معارضًا للنظام، لكن دون الانتماء لأي حركة سياسية معينة، مشيرًا إلى أنه لم يزر سوريا لأنه لا يدري ما العقوبة التي تنتظره، وقال: “معظم أصدقائي تم إعدامهم”.

وبشأن التطورات الأخيرة، يتطلع عبد الباسط إلى سوريا جديدة بنظام تعددي يحترم الحريات والكرامة ويعيد النسيج السوري المتنوع إلى سابق عهده كـ”قطعة بروكار جميلة”، ويقول: “نريد انتخابات حرة، إعلامًا مستقلًا، ونظامًا يحترم المواطن بعيدًا عن الطائفية والاستبداد”، داعيًا إلى إعادة العلاقات المغربية السورية وفتح السفارة مجددًا.

خالد الداحول من حمص، مستثمر سوري مقيم في المغرب منذ 1998، يروي دوافع هجرته من سوريا، التي عاش فيها “ظلما اجتماعيًا وسياسيًا تحت نظام الأسد”، مؤكدًا أن “سوريا كانت شعبًا موحدًا قبل أن ينهكها القمع والفساد”.

واختار خالد المغرب وجهة بحثًا عن الحرية والاستقرار، حيث أسس مشروعه في مجال الاستيراد والتصدير، مشيدًا بالحفاوة المغربية التي ساهمت في نجاحه واستقراره، ويقول في مقابلة مع “الحرة”، إن “زواجي بمغربية زاد من ارتباطي بهذا البلد كوطن ثان، فأنا مغربي القلب والعشق، سوري الانتماء والجنسية”.

ويذكر خالد أنه لم يشعر بالشوق الحقيقي لزيارة سوريا إلا بعد سقوط النظام، وهو يستحضر بمرارة تفاصيل زيارته إلى سوريا في ظل حكم النظام السابق، ويقول: “هل تتخيل إنسانًا يذهب إلى بلده خائفًا؟ وأشعر بالسعادة بمجرد مغادرة الحدود السورية”، مضيفًا أن “هذا الشعور بالخوف أصبح هاجسًا مشتركًا بين السوريين، الذين عاشوا القمع والظلم حتى اضطروا للهجرة”.

ويصف خالد سوريا قبل الأزمة بأنها كانت بلد الحضارة والعلم والتعددية، مؤكدًا أن “الثورة لم تكن ثورة جياع بل ثورة ضد الظلم”، ويرى أن “هجرة ما يقارب 25 مليون سوري خارج البلاد رغم كفاءاتهم العالية كانت نتيجة مباشرة للنظام القمعي الذي مزق البلاد”.

وحول الوضع الجديد بسوريا، يعبر خالد عن تفاؤله بمستقبل بلده بعد سقوط نظام الأسد، داعيًا الشعب السوري إلى تجاوز الماضي والوقوف يدًا واحدة من أجل إعادة بناء الوطن، ويقول: “قليل من التسامح والتعاون يكفي لينجح البلد”، مؤكدًا أن سقوط النظام ليس النهاية، بل هو بداية لتحقيق العدالة، مردفًا: “بقيت البلد واحترق الأسد، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم”.

مصطفى النشواتي، سوري دمشقي، يبلغ من العمر 42 عامًا، يعيش في المغرب منذ عام 2012، هاجر مع عائلته بعد تصاعد الصراع في سوريا وتحوله إلى مواجهات مسلحة، مؤكدًا أن اختياره المغرب كان صائبًا بفضل الأمن والاستقرار اللذين وجدهما فيه إلا أن حنينه إلى وطنه ظل مستمرًا في كل الأوقات.

وفي مقابلة مع “الحرة”، يحكي مصطفى أنه ظل يعيش بجسده في المغرب، وقلبه في سوريا، خلال سنوات الغربة الطويلة، وأنه تابع تطورات الثورة والصراع بألم كبير، خاصة مع التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري من أرواح وممتلكات، موضحًا أنه خلال السنتين الأخيرتين كان النظام يستعيد قوته وعلاقته الدبلوماسية وأصبح حلم العودة بعيد المنال، إلا أنه خلال العشرة أيام الأخيرة تغير كل شيء 180 درجة ودخل الثوار ووصلوا إلى دمشق وفر بشار وأعوانه”.

ورغم الفرحة الكبيرة بسقوط النظام، يصف مصطفى العودة النهائية إلى سوريا في الوقت الحالي بـ”الصعبة”، مضيفًا أن ذلك سيكون بمثابة خذلان للمغرب الذي أصبح وطنه الثاني. ومع ذلك، يفكر جديًا في زيارة سوريا قريبًا لرؤية عائلته وأقاربه بعد 12 عامًا من الفراق، ولتعريف أولاده بوطنهم وثقافتهم.

وشدد مصطفى على أن سوريا في الوقت الحالي بحاجة إلى عطف وعدل وأناس صادقين للوقوف مع الشعب ولكي تتطور الأمور بشكل أسرع ويرجع الأمان إلى البلد، داعيًا أهالي الشهداء إلى “عدم الانغماس في الثأر والانتقام بعد التحرير لأن بناء سوريا الحرة المستقلة والمزدهرة هو أكبر ثأر وتكريم للشهداء

Exit mobile version