خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
التقى أمس أحمد الشرع بقادة فصائل مسلحة شاركت بنسب مختلفة في الهجوم الأخير الذي أدى لإسقاط نظام بشار الأسد. وهدف اللقاء هو إنشاء مسار لحل هذه الفصائل العسكرية ودمجها جميعاً ضمن مؤسسة عسكرية رسمية تكون عملياً الجيش السوري الجديد.
هناك عدة أسئلة واكبت عقد الشرع لقائه مع قادة الفصائل العسكرية؛ أول سؤال هو عن عدد هذه الفصائل؛ وهل القادة الحاضرون يمثلون كل فصائل المعارضة السورية المسلحة، وإذا كان الجواب بالنفي يصبح السؤال هل هناك فصائل استبعدت، ولماذا استبعدت، أم أنها هي من ذاتها رفضت المشاركة في اللقاء ولماذا رفضت؟؟.
لا يمكن لأي مراقب أن يقدم رقماً نهائياً لعدد الفصائل المسلحة في سورية؛ فالرقم المتداول يقول ان هناك نحو ٧٠ تنظيماً (أو بتعبير أدق ٧٠ جماعة)، شارك في هجومي “ردع العدوان” (هيئة تحرير الشام ومن معها) و”فجر الحرية” (الجيش الوطني السوري)؛ ولكن هذا الرقم قابل للتغير في كل لحظة، ذلك أنه من سمات هذه الجماعات هي الانشقاقات الدائمة التي تجري بداخلها؛ وتوحدها مع جماعات أخرى ثم انفصالها عنها، وهكذا.. وعليه لا يمكن تقديم تحديد دقيق لخارطة الفصائل المسلحة في سورية؛ ولذلك يصعب جمعها في مشروع دمجها ضمن مؤسسة واحدة تلغي خصوصياتها الايديولوجية والمصلحية، الخ..
.. مع ذلك يبدو أن الشرع يريد جمع أكبر عدد من هذه الفصائل داخل بوتقة جيش واحد يكون تحت إمرة وزارة الدفاع وتحت إمرة رئيس الجمهورية بوصفه قائداً أعلى لقوات سورية الجديدة المسلحة.
ثاني سؤال ينطلق من حقيقة أن أكثر من ٩٥ بالمئة من الفصائل التي ستنضم للجيش هي سلفية إسلامية جهادية؛ فهل هذا يعني أن الجيش الجديد للدولة السورية سيكون مؤلفاً بغالبيته تقريباً من جنود جهاديين لديهم عقيدة سلفية.
.. وحتى لو تم دمج هذه العناصر السلفية البالغ عددها نحو ماية ألف عنصر إلى بقايا الجيش السوري القائم حالياً؛ فهل هذه العملية ستعني أن عناصر الفصائل الذين سيدخلون للجيش السوري القائم، سيفعلون ذلك ضمن هدف أن عليهم الاندماج به كمؤسسة وطنية موجودة، أم أن جنود الجيش السوري داخل مؤسستهم سيجدون أنفسهم مدعويين للاندماج مع واقع تحول الجيش إلى مناخ أنه “جيش السلفيين الجهاديين”.
ربما الصعوبة الأبرز ستظهر من خلال أن الجيش الجديد سيتحول إلى قسمين: الأول هم الجنود المنتمين لمرحلة النظام البائد المهزوم؛ والثاني هم الجنود الجدد المنتمون لمرحلة الفصائل المسلحة المنتصرة.. وبمعنى نفسي فإن الجيش الجديد سيكون أشبه ببيت يقيم فيه جنباً إلى جنب طرف منتصر وطرف مهزوم..
.. وضمن التحديات الكبيرة سيكون أول أمر مطلوب إنجازه بخصوص مشروع بناء جيش جديد هو التالي: بداية الفصل في قضية أساسية وهي هل يجب النظر للجيش الموجود على أنه هو الوعاء الذي سيتم من خلاله احتواء عناصر الفصائل؛ أم أن الأخيرين عليهم احتواء مناخ الجيش القائم؟؟.
أضف لذلك سيكون مطلوباً تغيير عقيدة الجيش السوري والحسم بقضية هل تريد جماعة الحكم الجديد الحفاظ على تسميته الحالية “الجيش العربي السوري”؛ أم سيتم انتقاء تسمية جديدة له؛ وما هي هذه التسمية: مثلاً الجيش الإسلامي السوري؛ أم “الجيش الوطني السوري” كما هي حال التسمية التي أطلقتها أنقرة على التشكيل العسكري السوري المؤيد لها والذي يعمل ضمن غرفة عمليات فجر الحرية (إسمه الجيش الوطني السوري)، الخ..
تغيير إسم الجيش العربي السوري سيعكس أمراً مهماً وهو تغيير العقيدة العسكرية للجيش السوري؛ والسؤال هنا هو: من سيصوغ هذه العقيدة؛ هل هي الفصائل السلفية الجهادية التي ستندمج في الجيش الجديد؛ أم الدول التي ستدعم تدريباً وتسليحاً وتمويلاً مسيرة إعادة بناء الجيش الجديد؛ أم سيكون هناك لجنة من كل قوى الشعب السوري، ومن ضمنهم القوى غير السلفية وأيضاً غير الدينية الموجودة خارج سورية؟..
الواقع أن مهمة بناء جيش سوري جديد هي إحدى المهمات الأصعب التي تواجه أحمد الشرع، وذلك لعدة أسباب: أولاً- لأن المطلوب إسرائيلياً أن لا تملك سورية الجديدة جيشاً بل تكتفي بأن يكون لها قوة شرطية بلباس جيش.
ثانياً- لأنه لا يمكن بناء جيش من دون قبلاً، تحديد عقيدته العسكرية؛ وحتى هذه اللحظة يبدو واضحاً أن حكام سورية الجدد لديهم رغبة في عدم تحديد من هو عدو سورية على نحو علني!!؛ وضمن هذا الغموض المقصود بخصوص عدم تحديد “العدو القريب” و”العدو البعيد” في هذه المرحلة؛ فإن ما يستطيع أن يفعله الجولاني حالياً هو “تجميع مقاتلين” من الفصائل، وليس “بناء جيش دولة”.