خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
في الآونة الأخيرة، شهدت السماء الأمريكية ظهور العديد من طائرات الدرون (المسيرات) فوق مناطق متفرقة، مما أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة هذه الظاهرة وما إذا كانت تشكل تهديداً للأمن القومي. في البداية، رفضت السلطات الأمريكية التكهنات بشأن وجود تهديد خارجي أو تصعيد عسكري. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، بات رايدر، إنه لا يوجد دليل على أن هذه الطائرات تشكل تهديداً للأمن القومي أو السلامة العامة؛ ولكن مع تزايد التقارير والشهادات من المواطنين حول مشاهدات طائرات مسيرة في مناطق شتى، بدأ الجدل حول هذه الظاهرة يتصاعد.
بعض المحللين العسكريين أشاروا إلى أن هذه الطائرات قد تكون جزءاً من اختبارات ضمن مبادرة “ريبليكيتور”، التي أطلقها البنتاغون في أغسطس 2023. هذه المبادرة تهدف إلى إنتاج أسلحة غير تقليدية بسرعة وبتكلفة منخفضة، بما في ذلك الطائرات المسيرة التي أثبتت فعاليتها في الصراعات الحديثة مثل الحرب الأوكرانية؛ ويُشار إلى أن الهدف الفعلي من هذه المبادرة هو تعزيز قدرة الجيش الأمريكي على مواجهة التحديات الأمنية من الصين وروسيا ودول أخرى، وهو ما يفسر ظهور الطائرات المسيرة في مواقع قريبة من المنشآت العسكرية.
في ديسمبر 2024، تكاثرت التقارير حول مشاهدات متعددة للطائرات المسيرة في مناطق مثل نيوجيرسي ونيويورك، ما أدى إلى زيادة التكهنات حول مصدر هذه الطائرات؛ وانتقد العديد من السياسيين، مثل السيناتور تشارلز شومر والنائب جيف فان درو، غياب الشفافية في تعامل الحكومة مع هذه الظاهرة؛ البعض أشار إلى أن هذه الطائرات قد تكون جزءًا من مشروع تجريبي أو تهديد أمني، في حين أبدى آخرون قلقهم من عجز السلطات في تتبع أو مواجهة هذه الطائرات.
على الصعيد الحكومي، فقد تم صدور بيان بياناً مشتركاً بين وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفدرالي وإدارة الطيران الفدرالية، أكدت فيه أن الطائرات التي تم رصدها تعمل بشكل قانوني، وأن الغالبية العظمى من البلاغات حول هذه الطائرات تمثل نشاطاً طبيعياً أو تجارياً. وأضاف البيان أن هناك أكثر من مليون طائرة مسيرة مسجلة في الولايات المتحدة، مع العلم أن هذه الطائرات قد تكون جزءاً من أنشطة هواة أو قوات إنفاذ القانون.
وبالتزامن مع هذه التقارير، تزايد الاهتمام بتطوير تقنيات جديدة لمتابعة الطائرات المسيرة وتعقب مصدرها؛ وقد تم الإعلان عن استخدام تكنولوجيا متقدمة مثل “روبن رادار” لاكتشاف الطائرات المسيرة، وهي تكنولوجيا تتيح تحديد موقع الطائرات وتتبعها في الوقت الحقيقي؛ ففي بعض الحالات، يتم اللجوء إلى تقنيات تشويش أو “اختطاف” الطائرات عن بعد، لكن هذه الأساليب تظل محفوفة بالمخاطر.
تزامناً مع هذه الحوادث، أشار بعض الخبراء السياسيين والعسكريين إلى وجود فجوات في التنسيق بين مختلف وكالات الأمن الوطني، من وزارة الدفاع إلى وكالات إنفاذ القانون. هذه الفجوات أثارت تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع تهديدات الطائرات المسيرة، خاصةً في ظل الصعوبة المستمرة في تحديد مصادر هذه الطائرات، وهو ما يعيد للأذهان أحداث اختراق المجال الجوي الأمريكي بواسطة بالونات تجسس صينية في وقت سابق.
لقد أظهرت ظاهرة الطائرات المسيرة في السماء الأمريكية أن هناك تحديات كبيرة تواجه الأمن الوطني في مواجهة هذه التكنولوجيا المتقدمة. ومع أن السلطات الفيدرالية أكدت أن هذه الطائرات لا تشكل تهديداً فورياً للأمن القومي، إلا أن التكهنات حول غياب الشفافية والقدرة على مراقبة الطائرات المسيرة تظل قائمة.