خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يوجد ثلاثة تواريخ متتالية يجدر بلبنان أن يتحسب لها وأن يحاول مقاربتها بمسؤولية.. وكل واحد من هذه التواريخ يشبه محطة القطار التي إن لم يتم التنبه لها قبل الوصول إليها، فإن الوضع سيشبه المسافر الذي تفوته المحطة؛ ويصبح أمام مشكلة أن عليه انتظار المحطة التالية غير المناسبة لمقصده، ولكنه مضطر للنزول فيها. باختصار ستصبح مسافة الوصول أطول وأصعب، وأيضاً قد لا تفضي لمكان!!.
التاريخ الأول أو محطة النزول الأولى في رحلة قطار الأزمة الذي يستقبله لبنان منذ عدة سنوات، هي محطة ٩ يناير ٢٠٢٥.. أما المحطة الثانية فهي تاريخ ٢٠ يناير؛ فيما المحطة الثالثة هي تاريخ ٢٧ يناير..
في تاريخ ٩ يناير توجد محطة جلسة انتخاب فخامة الرئيس العتيد؛ وفي حال لم ينزل لبنان في هذه المحطة وينتخب رئيساً للجمهورية فإنه سيصبح في حالة المسافر الذي فاتته المحطة؛ وبات عليه الانتظار حتى الوصول إلى المحطة التالية التي سيكون موعد الوصول اليها ليس قبل شهر آذار المقبل. وهنا لا يجب إغفال أن أحداً لا يعرف ماذا سيحدث من الآن حتى شهر آذار المقبل، نظراً لحالة الطقس العاصف السائدة في الإقليم.
في تاريخ ٢٠ يناير يوجد موعد نزول لبنان عند المحطة الثانية وعنوانها دخول ترامب إلى البيت الأبيض وخروج بايدن منه.. إنها محطة ستشهد حدثين إثنين هامين في آن معاً؛ بمعنى لن يقتصر المشهد على معنى دخول رئيس منتخب بحجم ترامب، وخروج رئيس منتهية ولايته بهزالة بايدن؛ بل ستشتمل صورة ٢٠ يناير على ضخامة معنى انتهاء حقبة عالمية سياسية وبدء حقبة عالمية سياسية جديدة!!.
والحق يقال إن الفوارق بين حقبة بايدن وحقبة ترامب كبيرة وكثيرة ولا تحصى؛ ويمكن القول عنها أنها فوارق خطيرة. ولعل أخطر هذه الفوارق هي أن الرجلين “يشتركان” في الاستجابة لحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية تحتاج لحروب حتى تحل أزماتها؛ وهذا ما يفسر لماذا اتبع بايدن “سياسة واضحة” لدعم استمرار الحرب في أوكرانيا؛ واتبع “سياسة مضللة” لدعم استمرار حرب إسرائيل في الشرق الأوسط وليس فقط في غزة؛ ولكن ترامب الذي سيستجيب أيضاً بدوره لحقيقة أن أميركا تحتاج لحروب، فهو لن يشاطر بايدن في سياسات إشعال حروب عسكرية في العالم، بل سيعمد إلى إشعال حروب تجارية بدل أن تكون عسكرية؛ ولكن النتيجة بالنسبة للعالم ستكون واحدة؛ وهي أن أميركا تشعل الحروب استجابة لمصلحتها!!.
والخلاصة هنا أنه ليس صحيحاً أن ترامب سينهي حقبة الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وفي أوروبا والعالم التي دشنها بايدن؛ بل الصحيح أن ترامب سينهي الحروب العسكرية ليبدأ الحروب التجارية.
وبالنسبة لمحللين كثيرين، صار واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية تحتاج للحروب حتى تسيطر على خروج التوازن الدولي عن مداراته الثابتة منذ سقوط الإتحاد السوفياتي؛ وعليه فإن كل أميركا الديموقراطية والجمهورية موجودة اليوم في لحظة إقرارها بالحاجة للحروب ولكن الخلاف بين ترامب والديموقراطيين هو حول أية حروب يجب إشعالها: الحروب العسكرية كما فعل بايدن الديموقراطي، أم الحروب التجارية كما سيفعل ترامب الجمهوري.
.. ولكن ماذا على لبنان أن يفعل شيئاً عندما يحين وقت وصوله إلى محطة ٢٠ يناير؟؟.
المقصود هنا هو أقله أن يكون لدى لبنان خلال لحظة وصوله لمحطة دخول ترامب البيت الأبيض رئيساً للجمهورية موجوداً في قصر بعبدا؛ وأن يكون لديه إسم رئيس حكومة العهد الجديد موجوداً في السرايا الحكومي؛ وأن يكون لدى لبنان “خطة عمل دولة” وليس “برنامج انتظار حكومة تصريف الأعمال”.
وبكلام مقتضب فإنه يمكن توقع أن يكون هناك نتائج مضاعفة في أضرارها على لبنان فيما لو كان المشهد في قصر بعبدا يوم ٢٠ يناير هو الفراغ الرئاسي؛ في حين أن المشهد في أميركا وفي العالم يتحول باتجاه وجود ترامب في البيت الأبيض.. والمسألة هنا لا تتعلق بوجود تساو بين الصورتين؛ بل تتعلق بنشوء نظرة سلبية من قبل واشنطن والعالم للبنان الذي تتغير الدنيا حوله، فيما هو يراوح في مربع الجدل البيزنطي حول أيهما يجب أن يكون له السبق: “دجاجة الحوار” أم “بيضة الانتخاب”!!.
..أما المحطة الثالثة وهي الأخطر فهي محطة ٢٧ يناير موعد انتهاء فترة هدنة وقف النار بين لبنان وإسرائيل؛ وفي حال لم ينزل لبنان في هذه المحطة، وهذا ما تريده إسرائيل؛ فإن هذا سيعني أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من أراضي الجنوب؛ وسيعني أيضاً أن حالة عودة الحرب ضمن ظروف قاسية جداً على لبنان وعلى حزب الله، ستكون واردة بنسبة عالية جداً.
وخلاصة القول هنا أن القطار الذي يقل لبنان وأزماته، يسير في هذا الوقت بسرعة فائقة ويقترب من محطات متتالية من دون استعداد مسؤول من قبله للنزول فيها؛ في حين أن العالم كله يلفت النظر إلى أنه لا يجدر أن يفوت لبنان فرص النزول عند كل واحدة من هذه المحطات الثلاث التي هي خارطة طريقه للنزول من قطار الأزمة التائه منذ عدة سنوات..
ويلاحظ أن هذه المحطات الثلاث يصادف الوصول إليها كلها في شهر يناير العام المقبل؛ وعليه يصبح السؤال الأساسي هو هل يكون شهر يناير ٢.٢٥ موعد التأسيس للحل الكبير في لبنان، أم يكون موعد التأسيس للانهيار الكبير في لبنان؟؟.