خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يتم في كبريات الصحف الأميركية الإسهاب في تحليل ما إذا كان ترامب سيكون مختلفاً في علاقته مع إسرائيل، وتحديداً مع نتنياهو عن بايدن. والاختلاف هنا لا يتعلق بمنسوب الدعم الأميركي لتل أبيب؛ فالبيت الأبيض بغض النظر عن هوية الرئيس المقيم فيه، سيقدم حتماً دعماً قوياً لإسرائيل؛ ولكن الاختلاف المقصود الإشارة إليه هنا، هو عما إذا كان الرئيس ترامب سيكون بنفس ضعف بايدن تجاه عدم القدرة على لجم تصرفات نتنياهو، أو تقبل إحراجه لسياساته؟؟. وهذا السؤال عينه يصبح أوضح، فيما لو تم طرحه على النحو التالي: هل يقبل ترامب بأن تبدو صورته غير قوية تجاه نتنياهو وحتى تجاه إسرائيل؟؟.. يشك الكثير من محللي كبريات الصحف الغربية بذلك؛ ويرى هؤلاء أنه من المستبعد أن يمنح ترامب مساحة أوسع لإسرائيل كي تتحرك بحسب ما تراه مناسباً لها؛ فمن الواضح أن ترامب لا يتحمل أن يتحداه حلفاؤه بالطريقة التي تحدت فيها إسرائيل الرئيس الحالي جو بايدن خلال جهوده لوقف النار في غزة.
ويرى محللون للسياسة الأميركية أنه إذا أحرج العدوان الإسرائيلي المستمر ترامب، فهو قد يتجه للسيطرة على سلوك إسرائيل وترويض نتنياهو؛ ولكن السؤال هو كيف سيفعل ترامب ذلك؟؟.
يجيب ويل وولدورف مؤلف كتاب “من أجل تشكيل عالم أفضل” قائلاً ليس مستبعداً البتة أن يلجأ ترامب إلى تغيير بنية التحالف الأميركي الإسرائيلي بجعله أكثر غموضاً.. وهذه السياسة يطلق عليها “الغموض الاستراتيجي” المؤمل أن يفيد منها ليس فقط الولايات المتحدة الأميركية بل بنسبة ما إسرائيل.
لماذا؟؟.
لأن هذا الغموض الاستراتيجي قد تستغله إسرائيل لتعزيز هامش تحديها لخصومها الإقليميين تحت عنوان أنها تمارس في هذه الجزئية سياسة مستقلة عن أميركا؛ وبالمقابل فإن جعل علاقة واشنطن بتل أبيب تدخل مجال الغموض الاستراتيجي سيخفف من تبعات ما بات يعرف “بالخطر الأخلاقي” على الولايات المتحدة الأميركية الناتج عن شيوع فكرة تقول ان الدولة العظمى تقدم حماية للسلوك المدان دولياً الذي يمارسه حليفها الصغير.
يضيف وولدورف أن البعض قد يعتقد أن ذهاب واشنطن لممارسة الغموض الاستراتيجي مع إسرائيل هو نوع من التخلي الأميركي عنها؛ لكن الحقيقة ليست كذلك.. فالولايات المتحدة لم تتخل أبداً عن تايوان رغم أنها تتبنى حيالها سياسة الغموض الاستراتيجي؛ فواشنطن لا زالت تعتبرها شريكة لها وتقدم لها الحماية منذ ست عقود من الهجمات الصينية. الأمر نفسه يمكن أن يحدث مع إسرائيل ما سيدفعها للاعتماد أكثر على الخيارات الدبلوماسية من جهة؛ وما سيخفف من جهة ثانية عن سيد البيت الأبيض ترامب الذي يقال انه يطمح لنيل نوبل للسلام، تحمل تبعات الخطر الأخلاقي.
إن فكرة الغموض الاستراتيجي تقوم على جعل إسرائيل تتحمل – أو على الأصح – تعتقد أنها ستتحمل المزيد من تكاليف أمنها، ما يرغمها على أن تذهب لتبني الخيارات الدبلوماسية. وقد تشتمل اعتماد أميركا سياسة الغموض الاستراتيجي مع إسرائيل، على قيام البيت الأبيض عند الضرورة، بإيقاف تزويد إسرائيل بالسلاح الهجومي وحصر إمدادات السلاح لها بالسلاح الدفاعي.
لا يمكن حالياً الحسم بالنسبة لنوعية الخيارات التي سيلجأ إليها ترامب تجاه نتنياهو في حال حاول الأخير تحديه بالطريقة نفسها التي كان تحدى فيها بايدن؛ أو بالطريقة نفسها التي كانت غولدا مائير تحدت فيها ريتشارد نيكسون؛ ولكن يلاحظ وجود شبه إجماع في الإعلام العبري يعتقد بأن من يظن أن ترامب سيخضع لنتنياهو هو خاطيء؛ ويرى هؤلاء أن سلوك رئيس وزراء إسرائيل بعد ٢٠ يناير سيصبح أكثر حذراً في مراعاة ما يريده المرجع الأميركي..