خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هناك مفاضلة يتم حالياً طرحها في سورية وقوامها لمن يجب أن يكون السبق لصياغة الدستور الجديد أم لبناء الجيش الجديد؟.
الحكام الجدد في سورية يعتبرون أن حفظ الأمن هو أمر لا يمكنه أن ينتظر، وعليه يتحتم إعطاء الأولوية لبناء جيش جديد يحمي مسار التحول السياسي التي تقوده الإدارة الحالية الجديدة لسورية…
ويعني هذا التفسير أن صياغة دستور جديد تقع في خانة الأمور التي يمكنها الانتظار لثلاثة أعوام أو حتى لأربعة أعوام كما قال أحمد الشرع ليلة أمس لقناة العربية.
من حيث المبدأ لا يختلف إثنان مع أحمد الشرع على أن الأمن لا يمكنه أن ينتظر، فهو “أحد النعمتين المجهولتين” (الصحة والأمان)،ولكن بالوقت نفسه، يختلف كثيرون مع فكرة أحمد الشرع عن أن عملية صياغة الدستور يمكنها أن تنتظر ٣ إلى ٤ سنوات؛ ذلك أنه إذا كانت نعمة الأمان يحققها بناء الجيش الجديد فإن نعمة صحة البلد يحققها إنجاز الدستور الجديد..
الواقع أن فكرة أن تعيش سورية من دون دستور لعدة سنوات – بغض النظر عن تبريراتها – هي فكرة تعيد للأذهان حكاية الأنظمة التي لدواعي أن هناك أسباباً أمنية – بغض النظر عن صحتها – تعلق الدستور وتخضع حياة البلاد والعباد لحالة الطوارئ، ثم مع الوقت تصبح مواد حالة الطوارئ هي مواد الدستور المعاش بدل مواد الدستور المعلق.
قد لا يكون في نية أحمد الشرع أخذ سورية إلى واقع موجود في دول عديدة يوجد فيها دستوران إثنان: واحد معلق أو قيد الإعداد وستطول عملية تعليقه أو إعداده، والثاني معاش وهو نوع من حالة الطوارئ التي يمليها الظرف الأمني الإستثنائي المرشح لأن يطول ولأن تدمن عليه الدولة مع الوقت.
الفكرة الرئيسة هنا هي أنه بمثلما يجب التعجيل ببناء جيش سورية الجديد لأن الأمن لا ينتظر، فإنه أيضاً يجب وضع الدستور الجديد اليوم قبل الغد، لأن صحة البلد المتمثلة بانتظام حياة الدولة، لا يمكنها أن تنتظر كثيراً أيضاً.
حالياً سورية تعيش من دون دستور لدواعي تعليق دستور النظام البائد غير الصالح لاعتماده في مرحلة بناء سورية الجديدة؛ ولكن بالمحصلة فإن سورية الجديدة – بغض النظر عن الأسباب – هي في حالة أنه لا يوجد دستور يحكمها وينظم علاقة المواطن بالدولة ويحدد شكل انتظام حياة سورية على مختلف الصعد؛ وهذا الأمر يخلق واقعاً يصح القول فيه أنه من الطبيعي لأسباب أمنية وبنفس الوقت من غير الطبيعي لأسباب ديموقراطية وقانونية أن يكون بديل عدم وجود دستور في سورية هو إعلان نوع من حالة الطوارئ (سواء المعلنة أم المضمرة) التي يتم بموجبها وبخلالها جعل الحياة في سورية أشبه بعلاقة “ثكنة عسكرية مع الشعب” أو “مخفر مع حي..”.
لا يمكن إطالة حالة الطوارئ تحت عنوان أن صياغة دستور هو فرض صعب وعملية عسيرة، ولا بد أن يستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي استغرقته المهمة التي بدت لفترة مستحيلة وهي تنفيذ خطة ردع العدوان التي أسقطت النظام بخلال أسبوعين إثنين.. الفكرة هنا هي أن مواد الدستور الجديد موجودة في وجدان السوريين؛ حيث أن كل السوريين تقريباً يعرفون لماذا ثار الشعب على النظام القديم، ويحفظون عن ظهر قلب ماذا كان يعجبهم في الدستور الذي أصبح الآن قديماً، وماذا كان لا يعجبهم من بنوده..
… بمعنى آخر ان صياغة الدستور الجديد هو ببساطة سيكون حصيلة إجابة سورية عن سؤال لماذا ثار الشعب ضد النظام البائد؛ أي ضد ماذا ثار؟؟ ومن أجل ماذا؟؟.
إن عمر هذه الأسئلة والأجوبة عليها طويل وطويل (نحو نصف قرن من عمر حكم آل الأسد)؛ وليس من عمر لحظة دخول الإدارة العسكرية المشتركة إلى دمشق وخروج بشار الأسد منها؛ وعليه فإن السوريين يعرفون ماذا كان خطأ في الدستور القديم وماذا سيكون صحيحاً في الدستور الجديد؛ وهذه المعرفة المتراكمة والمستخلصة من طول التجربة مع أخطاء الدستور والنظام والدولة السابقة هي التي تسهل وتقصر زمن عملية الحصول عن الجواب المطلوب حول الدستور المنشود..
منتهى القول هنا أن طول الزمن والوقت حسب رأي الشرع، ليس هو العامل الذي يمكن الاعتماد عليه لانتاج دستور جيد على أنقاض الدستور السيء؛ فالسوريون أخذوا كل وقتهم في معرفة ومعايشة كيف ولماذا يكون الدستور سيئاً أو جيداً؛ وهم يعرفون أيضاً أن الفترة التي تحتاجها صياغة الدستور الجيد لسورية الجديدة هي المسافة التي تقع بين جرأة اتخاذ القرار بأن سورية يجب أن تكون ديموقراطية ومدنية من جهة وبين إمتلاك الجرأة على إعلانه هذا القرار من جهة ثانية..
إن أحداً لا ينكر بأن صياغة الدستور هو أمر يحتاج إلى وقته؛ ولكن من الخطأ إستبدال الإهتمام بوقت إنجازه بالاهتمام بوقت وضع عربة الأمن قبل حصاني الدستور.
لم تكن مشكلة نظام حزب البعث تقع في أفكار الوحدة والحرية والاشتراكية؛ بل في عسكرة البعث وجعله “نظام ثكنة ومعتقل” وجعل النظام الداخلي للحزب هو دستور البلد ومرشد الدولة، الخ.. وعليه فإن أهمية حركة الثورة الراهنة هي أنها ثارت ضد نظام الثكنة والمعتقل البائد؛ وسيكون مقياس فشلها أو نجاحها هو مدى قدرتها على إنتاج دولة صناديق الانتخاب ومواد دستور ينظم حياة سورية بشكل مدني وقانوني وديموقراطي ومتوافق عليه.